الإهداء
إلى روح والدتي جزاء وفاقا
أهدي ثمرة هذا البحث المتواضع سائلا المولى عز وجل أن يكون خالصا لوجه الله الكريم
شـكـر وامتنان
إن واجب الشكر والعرفان يقتضي أن أتقدم بالشكر لكل من ساهم في إنجاح هذه الرسالة
المحتويات
مقدمـــة
المبحث الأول: تعريف التشخيص والتجسيد والتوضيح
المطلب الأول: نماذج للتشخيص
المطلب الثاني: نماذج للتجسيد
المبحث الثاني: الفرق بين التجسيد والتجسيم
المطلب الأول: مفهوم التجسيم
المطلب الثاني: مفهوم التجسيد
المبحث الثالث: التوضيح
المطلب الأول: مفهوم التوضيح
المطلب الثاني: نماذج للتوضيح
الخاتمة
النتائج
التوصيات
المصادر والمراجع
الفهرس
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه وشرفه بالبيان، والصلاة والسلام على رسول الله، محمد بن عبد الله القائل : إن من البيان لسحرا، أوتي جوامع الكلم، وأمسك بزمام الفصاحة، وملك ناصية البيان، أما بعد.
فإن الاستعارة مجال مهم في اللغة العربية ‘ حيث أن العرب استخدموا الاستعارة منذ القدم ويتضح لنا هذا جليا في الشعر العربي الجاهلي ، وما زال الأدباء إلى يومنا هذا يستخدمون العبارة الاستعارة في حياتهم اليومية .
فالاستعارة من العارية وهي معروفة ، ومعنى أعار رفع وحول ( ومنه إعارة الثياب والأدوات واستعار فلان سهما من كنانته رفعه وحوله منها إلى يده ) وفي الحديث الشريف : ( مثل المنافق مثل الشاة العائرة بين غنمين ، أي المترددة بين قطيعين لا تدري أيهما تتبع )
فالاستعارة في اللغة هي نقل الشيء من من حيازة شخص إلى شخص آخر حتى تصبح تلك العارية من خصائص المعار إليه والإلصاق به .
والاستعارة في علم البيان : نوع من المجاز اللغوي علاقته المشابهة دائما ، ( تشبيه بليغ حذف منه أحد طرفيه أو هو استعمال اللفظ في غير معناه الأصلي لعلاقة المشابهة بين المعنى الأصلي والمعنى الذي نقلت إليه الكلمة مع وجود قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي.
ومما يتعلق بسر جمال الاستعارة التشخيص وهو تصوير ما ليس بإنسان في صورة إنسان ، والتجسيد وهو تصوير المعنوي في صورة مادية ، والتوضيح وهو تصوير المعنوي بالمعنوي أو المادي بالمادي ، وهو ما سنتناوله بشيء من التفصيل في هذه الدراسة .
مشكلة الدراسة:
من خلال رؤيتي لما تواجهه اللغة العربية في العصر الحديث و ما يدور على الساحة الان، وكيف ان أهل اللغة صاروا غرباء عن لغتهم مما جعلهم لا يستطيعون فهم النصوص فهما صحيحا وعدم قدرتهم على استيعاب الكثير من المعاني بسبب بعدهم عن مصادر ثقافتهم وعدم تذوق جماليات لغتهم والتي منها الاستعارة لهذا كان اختيار الباحث لهذا الموضوع ( الاستعارة في البلاغة العربية التشخيص والتجسيد والتوضيح نموذجا ) لبيان أهم ما يميز لغتنا من التذوق الجمالي .
أهمية الدراسة
تكمن الأهمية في حاجة الناس إلى التمسك بكتاب الله إن البحث في التشخيص والتجسيد والتوضيح في عصرنا الحاضر أمر في غاية الأهمية ، وذلك يعود إلى فهم نصوص الدين الحنيف. فهذه الأمور نحتاج إليها لفهم الصور البلاغية في القرآن والحديث والشعر ، وهذا مما يصعب على طلاب العلم مما استدعى البحث في هذا الموضوع .
أهداف الدراسة
تهدف هذه الدراسة لتحقیق الأهداف التالیة :
أولا : يهدف البحث إلى تعريف التشخيص والتجسيم والتوضيح .
ثانيا : تقديم أمثلة توضيحية لكل من التشخيص والتجسيم والتوضيح .
منهج البحث
تعتمد الدراسة علي منهجين أساسيين : الاستنباطي والاستقرائي ولا مانع من استخدام مناهج أخري كالعددي والإحصائي حسب متطلبات البحث
الدراسات السابقة
وقف الباحث على مسارات الدراسات البلاغية ، وذلك من خلال التعرف على علم مفهوم وحقيقة البلاغة ، ووظیفتها والفرق بين التشخيص والتجسيم والتوضيح . ومما یجب تسجیله هنا، أن الباحث قد وجد، ومن خلال اطلاعه الموسع، في مجال الدراسات البلاغية ، وعلم البيان العام ، مثل علي عشري زايد: البلاغة العربية ، و د. جسن طبل في: علم البيان .
خطة البحث
وقد قسمت الرسالة على ثلاثة مباحث
• مقدمـــة
• المبحث الأول: تعريف الاستعارة والتشخيص والتجسيد والتوضيح
• المطلب الأول: تعريفات ومفاهيم
• المطلب الثاني: التجسيد و التشخيص
• المبحث الثاني: الفرق بين التجسيد والتجسيم
• المطلب الأول: مفهوم التجسيم
• المطلب الثاني: مفهوم التجسيد
• المبحث الثالث: التوضيح
• المطلب الأول: مفهوم التوضيح
• المطلب الثاني: نماذج للتوضيح
الخاتمة
وبها ملخصا للدراسة
النتـائــج و التوصيات
المبحث الأول: تعريف الاستعارة التشخيص والتجسيد والتوضيح
المطلب الأول : تعريفات ومفاهيم :
مفهوم الاستعارة : استعمال اللفظ في غير معناه الأصلي لعلاقة المشابهة أو هي تشبيه بليغ حذف منه أحد طرفيه . نحو ( الجندي يزأر في سماء المعركة )
حيث شبه الجندي بأسد يزأر فحذف المشبه به وأتى بشيء من صفاته وهو " يزأر" على سبيل الاستعارة المكنية .
ونحو " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " ففي كلمة حبل شبه الدين بالحبل فحذف المشبه وصرح بالمشبه به على سبيل الاستعارة التصريحية .
وسر جمال الاستعارة إما التشخيص وإما التجسيد وإما التوضيح وسنفصلها فيما يلي :
1- التشخيص : تشبيه ما ليس بإنسان في صورة إنسان
إذا شبهنا (أي شيء بإنسان) سواء مادي أو معنوي
إذا شبهنا (أي شيء بإنسان) سواء مادي أو معنوي ( العدل عمر , الكتاب صديقي )
2- التجسيم : تشبيه المعنوي في صورة مادية .
إذا شبهنا (أي معنوي بمادي)
السلام طريق الحق. الحب زهرة الحياة
3- التوضيح : تشبيه الشيء المادي بالمادي أو المعنوي بالمعنوي أو إنسان بمادي أو
إذا شبهنا مادي بمادي أو معنوي بمعنوي او مادي بمعنوي أو إنسان بمادي أومعنوي
الحقد شر على المسلم , المسلم حمام السلام , المعلم مصباح منير
لا شك أن التجسيم هو نفسه التجسيد فهما إذا بمعنى واحد
أما عن الفرق بينهما فهناك من له رأي آخر و تقسيم مختلف عنا ذكرناه و هو بالشكل التالي :
يقول الدكتور جابر قميحة في هذه المسألة ما يلي :
" والتجسيد أو التجسيم ملمح فني يعني إبراز المعنوي (الذي لا يدرك بحاسة من الحواس الخمس) في صورة حسية . كقولنا " تحطم اليأس على صخرة الأمل ".
أما التشخيص فيعني أن ينسب للحسي الجماد والطبيعة ملامح بشرية ، كقولنا: "مصر هبة النيل"، أو " إن الأهرامات تروى تاريخ قدماء المصريين .
وقد يجتمع التجسيد والتشخيص في مثال واحد، كقولنا " إن إيمان الرعيل الأول ينطق بالصدق واليقين"، فالإيمان ظهر هنا في صورة حسية مشخصة .
وهناك من النقاد من يسوي بين التجسيد والتشخيص فهما يمثلان صورة بلاغية تنزل فيها الأفكار والمعاني منزلة الأشخاص، كما تنسب إلى الجماد والطبيعة صفات بشرية. والمصطلح الإنجليزي هنا مشتق من أصل يوناني، ولا يختلف في معناه عن كلمة Personification مثل قوله تعالى ﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾[الرحمن:6]، وقول الشاعر:
والموت نفاذ على كفه جواهر يختار منها الجياد
وقد يكون تقسيم هذه الظاهرة إلى ثلاثة أنواع أدخل في باب الدقة ، كما مثلنا آنفا:
أ- فالتجسيد أو التجسيم هو إبراز المعنوي في صورة حسية غير عاقلة .
ب- التشخيص هو إبراز الحسي- غير العاقل- في صورة بشرية .
جـ- والجمع بينهما يعني إبراز المعنوي في صورة حسية بشرية .
وهذه الظاهرة الفنية في كل أشكالها تنقل "المعروض" من حالته التقريرية أو المغيبة إلى حالة تُرى وتعاش بالبصر والبصيرة بما اكتسبته من نبض وحركة وحياة .
المطلب الثاني : التجسيد و التشخيص
معنى التجسيد في اللغة : تجسيد: اسم مصدر جسّد تجسيد الصورة ، تجسيمها ، تمثلها
التجسيد ( بلاغة ) تحويل الأفكار والمشاعر إلى أشياء مادية وأفعال محسوسة كمخاطبة الطبيعة كأنها شخص تسمع وتستجيب ) (1) .
أما التشخيص فيعني : " تشخيص (اسم) الجمع :شخصيات وتشاخيص مصدر شخّص
تمكن الطبيب من تشخيص المرض : من معرفته وتعيين عوارضه
قام بتشخيص المسرحية : تمثيلها وتقمص أدوارها .
( بلاغة ) إبراز المعنى المجرد أو الشيء الجامد كأنه شخص ذو حياة (2) .
وعلى الرغم من الفرق بين دلالة التشخيص والتجسيد فهناك من لا يفرق بينهما ، ويجعلهما في سياق واحد ، وهذا ما يظهر في ( معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ) و (معجم المصطلحات الأدبية ) إذ أوردا المصطلحين في متن واحد (3) .
وإذا أردنا تتبع التجسيد والتشخيص في الدرس البلاغي والنقدي عند العرب فإن هناك بحثاً للأستاذ الدكتور فاضل عبود التميمي أذكر طرفاً منه : ( أما كتب البلاغة والنقد القديمة فإنها لم تقدم التجسيد بوصفه مصطلحاً بلاغياً أو نقدياً ، وإنما اكتفت بالحديث عن دلالته الفنية ، وهي تتحدث عن فاعلية الاستعارة ، ووظيفتها في المبالغة ، وتقديم الصورة ، وإثبات دلالتها ، وبناء على ذلك فإن : ( التجسيد يكسب الصورة المعنوية ، أو الحسية ملامح الإنسان ، أو صفاته ، أو أفعاله وهو أدخل في هذا المعنى من (التشخيص) الذي يعني سواد الإنسان أو غيره ) (4) (..... وقد أخذ البحث (بالتجسيد) بديلاً عن (التشخيص) و(التجسيم)انطلاقاً من الدقة اللغوية التي رشحتها دلالة (الجسد)....)(5) ويذكر الدكتور فاضل التميمي أنه تعذر العثور على تعريف للتجسيد في معجمات البلاغة ، والنقد العربي ، وأن ما أثار اهتمامهم وخصصوا له حيزاً مهماً في كتابتهم النقدية الخاصة نقد الاستعارة ( التجسيد) ، إذ الاستعارة تخلع صفات الإنسان على ما هو محسوس ، ومعنوي ... وأشار إلى أن الجاحظ من أوائل النقاد العرب الذين عنوا بذلك ومن ثم تتبع دراسة البلاغيين والنقاد العرب القدماء للاستعارة وما استشهدوا به من أمثلة ومن أبرزهم عبدالقاهر الجرجاني في (أسرار البلاغة ) ... (6(
ومن الأمثلة على التشخيص والتجسيد في القرآن الكريم ، قوله ) : يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ) (7) ، فهذه الآية الكريمة برزت فيها جهنم وهي شيء جامد وكأنها شخص ذو حياة يتكلم ويطلب المزيد من المستحقين للعذاب .
ومنها قوله 🙁 إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور ) (8) ، ومنها قوله :
)إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيرا) (9) ، ومنها قوله ) : ( ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً ) (10) فيجدوا ما عملوا عند الله ، جسدت الآية الكريمة هذا العمل المعنوي إلى مادة محسوسة على وجه التجسيد ، ومنها قوله ) : ( نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ) (11) وصف العذاب وهو أمر معنوي وكأنه محسوس " غليظ " .
ومن أمثلته في الشعر العربي ، قول الشاعر الجاهلي عروة بن الورد :
إن تأخذوا أسماء موقف ساعة فمأخذ ليلى وهي عذراء أعجب
لبسنا زماناً حسنها وشبابها وردت إلى شعواء والرأس أشيب
فقد جسد الشباب على شكل حسي وهو الثوب الذي يلبسه الإنسان .
ويلاحظ التشخيص والتجسيد في شعر الطبيعة لابن الرومي ، ومن ذلك قوله يصف غروب الشمس :
إذا رنقت شمس الأصيل ونفضت على الأفق الغربي ورساً مذعذعاً
وودعت الدنيا لتقضي نحبها وشول باقي عمرها فتشعشعا
ولاحظت النوار وهي مريضة وقد وضعت خداً إلى الأرض أضرعا
ويقول الشاعر الأندلسي المعتمد بن عباد ، يصف تحول رمحه إلى قيد أسود يعض رجليه كما لو كان أسداً ضارياً :
تبدلت من عز ظل البنود بذل الحديد ، وثقل القيود
وكأن حديدي سناناً ذليقاً وعصباً رقيقاً صقيل الحديد
فقد صار ذاك وذا أدهما يعض بساقي عض الأسود
ومن الشعر الحديث قول الشاعر حكمت صالح :
فارقب الشهب ملياً
أو تدري
أنها خرت سجوداً
للإله
الرياحين ..
إذا ما بلت الريح
فلا تركع قط
لسواه
صه
هل تسمع شدو الصخر
إذا عاود ذكر الله
يستجدي رضاه
) فالشهب ، الرياحين ، الصخر) الشهب تسجد لله ، والرياحين تقصر دعاؤها لله ، والصخر يشدو بذكر الله .
و هناك صيغة أخرى للتفريق بين التشخيص و التجسيد
هناك فرق كبير بين التجسيد و التشخيص الأول : التجسيد أو التجسيم : معناه أن الشيء
المعنوي يتحول إلى شيء مادي ملموس مثل : تسرق إسرائيل الفرحة من القلوب ( فالفرحة شيء مادي يُسرق ) أي أنه ملموس يمسك .
الثاني : التشخيص معناه منح صفة من صفات البشر للشيء المعنوي مثل : الغدر يتكلم في قلب اليهود ( فالغدر شخص يتكلم ) أي أنك تعطي الغدر صفة من صفات البشر
ورد في مجلة الموقف الأدبي وهي مجلة أدبية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق ما مفاده بأنه :
* يقترن ما يعرف بالتشخيص بالاستعارة المكنية في المفهوم البلاغي العربي ، وهو في الأصل ترجمة لمصطلح (Personification) في النقد الغربي ، وقد وجد له حضوراً جيداً في درسنا النقدي العربي الحديث، لكنه اصطدم بمشكلة الخلط والاختلاف حول التسمية، فالدكتور شوقي ضيف(35) والدكتور عبد الإله الصائغ(36) يسميانه (تجسيداً)، وبسبب ذلك يُفضّل إهمال مصطلح التجسيد هذا؛ لأن النقاد يدخلونه مع مفهوم (التجسيم) ، والأصلح الإبقاء على مصطلح (التشخيص) مقابل مصطلح (التجسيم ) ، فالتشخيص يمتاز بإضفاء الصفات الإنسانية على كل من المحسوسات المادية والأشياء المعنوية... أما (التجسيم) فـــ ((يسعى إلى جعل المعنوي مادياً أو حسياً على سبيل الاستعارة، وندخل [أيضاً] استعارة الصفات الحيوانية للمحسوسات المادية ضمن التجسيم))(37).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في محاضرة أدبية وهذا مقتطف لعل به فائدة في معرفة ما يُسمى بالتجسيد والتجسيم والتشخيص بشكل عام !
المبحث الثاني : الفرق بين التجسيد والتجسيم
المطلب الأول : التجسيد :
هو منح المعنويات ملامح الإنسان العاقل , أو بعض أعضائه أو بعض صفاته.
فالتجسيد إذاً هو نقل المعنوي إلى رتبة الحسي العاقل كأن نقول " العدل عمر " والكرم حاتم " فالعدل والكرم أمران معنويان وعمر وحاتم حسي عاقل وكقول المتنبي :
وزائرتي كأن بها حياء **** فليس تزور إلا في الظلام
فالحمى أمر معنوي ولكن المتنبي خلع عليها بعض صفات البشر كالحياء
فنقلها من رتبة المعنويات إلى رتبة الحسيات العاقلة وأخذ يتكلم عنها وكأنها فتاة جاءت لزيارته أثناء الليل ...
المطلب الثاني : التجسيم :
ويقصد به تحويل المعنويات المجردة إلى حسيات غير عاقلة , إذ يصبح لها جسم وحيز يمكن ملاحظته وإدراكه
كأن نقول " الحسد نار " فالحسد في الاساس أمرٌ معنوي ولكن نقلناه الى رتبة الحسي غير العاقل وهو النار
يقول صلى الله عليه وسلم " إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب "
* الإيضاح :
هو تشبيه شيء بشيء آخر من نفس رتبته .
كأن نشبه حسياً عاقل بحسي عاقل ( كأن نشبه رجلاً كريم بحاتم الطائي ) فكلاهما حسي عاقل
أو نشبه حسي غير عاقل بحسي غير عاقل ( كأن نشبه نور السراج بضوء القمر )
أو أن نشبه معنوي بمعنوي آخر كقوله تعالى ( طلعها كأنه رؤوس الشياطين )
فالشجرة التي تكلم الله تعالى عنها في هذه الآية هي شجرة الزقوم تنبت في جهنم ونحن لم ندرك هذه الشجرة بحواسنا الخمس فهي أمر معنوي وقد شبه الله عز وجل ثمر هذه الشجرة برؤوس الشياطين ، ورؤوس الشياطين أمر معنوي أيضاً لا نستطيع أن ندركه من خلال حواسنا الخمس فالصورة هنا للإيضاح لأن طرفي التشبيه كلاهما امر معنوي.
وقفة بسيطة :
نلاحظ أن الخيال ينقل المعنى من درجة أقل إلى درجة أعلى منه
-ففي التشخيص نقل الحسيات غير العاقلة إلى مرتبة الحسي العاقل
-وفي التجسيد نقل المعنويات إلى مرتبة الحسيات العاقلة
-وفي التجسيم نقل المعنويات إلى رتبة الحسيات غير العاقلة فجعلها تدرك بالحواس الخمس
هذا النقل من رتبة أقل إلى رتبة أعلى يجعل الصورة الشعرية نابضة بالحياة والحركة
ولهذا نقول إن الخيال هو روح النص الأدبي ، إذا فقده النص أصبح جثمان لا روح فيه ولا حركة .
ـــــــــــــــــــــــــــ
معنى التجسيم والتجسيد بصفة عامة تقول الدكتورة ميسون في إحدى صفحات بحثها وهذا مقتطف !
التجسيم والتجسيد :
* المصطلحان: التجسيم والتجسيد، في أصلهما اللغوي، مترادفان؛ إذ يفسّر الجسم بالجسد، والجسد هو البدن(18)، والشخص المُدرَك(19).
ويعد الجسد خاصاً بالجنس البشري(20) ، و"الجسم ماله طول وعرض وعمق"(21) ، ويختلف عن الشخص؛ إذ إن(الشخص قد يخرج من كونه شخصاً بتقطيعه وتجزئته بخلاف الجسم)(22).
ويؤخذ من الجسم الفعل تجسّم ، ويحمل معنى التصور أو التصوير(23). والتجسيم هو (التعبير عن المجرد بالمحسوس ، وعن الأفكار والمدركات العقلية بالصور المحسوسة)(24)، أما التجسيد فهو (نسبة صفات البشر إلى أفكار مجردة أو إلى أشياء لا تتصف بالحياة ؛ مثال ذلك الفضائل والرذائل... مخاطبة الطبيعة كأنها شخص تسمع وتستجيب)(25).
وبذلك غدا كل من التجسيم والتجسيد والتشخيص يؤدي معنى متقارباً غايته التصوير والتوضيح بإضفاء الصفات البشرية الحية وغير البشرية على الكائنات الجامدة والأفكار العقلية والذهنية ، وجعل المجرد الذهني النفسي والوجداني حسياً بامتلاكه صفات محسوسة من رؤية وسمع وشم وذوق ولمس ، أو انفعالية من حزن وفرح وألم وأسى… أو إعطاء مالا يعقل صفة من يعقل(26).
قال تعالى: "ربِ إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً…". فهنا شُبِّه الرأس بالنار المشتعلة، وحُذِف المشبه به (النار)، وبقي شيء من لوازمه (اشتعل) على سبيل الاستعارة المكنية. وسر جمالها التجسيم، وتوحي بانتشار الشيب.
فلا تعدي مواعد كاذبـات
تمــر بها رياح الصيف دوني
* مواعد كاذبات: استعارة مكنية شبه المواعيد بأشخاص كاذبة وسر جمالها التشخيص.
* تمر رياح الصيف: استعارة مكنية شبه رياح الصيف بإنسان يمر وسر جمالها التشخيص.
فاني لو تعاندنى شـمالي
عنادك ما وصلت بها يميني
* تعاندنى شمالى: استعارة مكنية شبه الشمال بإنسان يخالف وسر جمالها التشخيص.
* وصلت بها يمينى: استعارة مكنية شبه اليمين بإنسان يوصل وسر جمالها التشخيص.
إذاً لقطعتها ولقـلت بـِيني
كذلك أجتــوي مــن يجتويني
* ولقلت بينى: استعارة مكنية شبه شماله بإنسان يؤمر وسر جمالها التشخيص.
لعلـّى إن صرمت الحبل مني
كذاك أكون مصحــبتي قروني
* صرمت الحبل: استعارة تصريحية شبه الوصال بحبل وسر جمالها التجسيد
تقول إذا درأت لها وضينى
أهذا ديـنه أبـدا وديـنى؟
* تقول : استعارة مكنية شبه الناقة بإنسان يتحدث وسر جمالها التشخيص
* إذا درأت لها وضيني: استعارة مكنية شبه الناقة شد عليها الحزام بإنسانة تشكو همها وسر جمالها التشخيص.
أكُل الـدهر حِـل وارتحال
أما يُبقي عليّ وما يقيني!
* تقول أكل الدهر حل و ارتحال : استعارة مكنية شبه الناقة بإنسانة تشكو من عدم الاستقرار وسر جماله التشخيص
المطلب الثالث: التوضيح
* الإيضاح :
هو تشبيه شيء بشيء آخر من نفس رتبته .
كأن نشبه حسياً عاقل بحسي عاقل ( كأن نشبه رجلاً كريم بحاتم الطائي ) فكلاهما حسي عاقل
أو نشبه حسي غير عاقل بحسي غير عاقل ( كأن نشبه نور السراج بضوء القمر )
أو أن نشبه معنوي بمعنوي آخر كقوله تعالى ( طلعها كأنه رؤوس الشياطين )
فالشجرة التي تكلم الله تعالى عنها في هذه الآية هي شجرة الزقوم تنبت في جهنم ونحن لم ندرك هذه الشجرة بحواسنا الخمس فهي أمر معنوي وقد شبه الله عز وجل ثمر هذه الشجرة برؤوس الشياطين ، ورؤوس الشياطين أمر معنوي أيضاً لا نستطيع أن ندركه من خلال حواسنا الخمس فالصورة هنا للإيضاح لأن طرفي التشبيه كلاهما امر معنوي.
إذا ما قمـت أرحلها بـليل
تأوه آهة الرجل الحزين
* تأوه آهة الرجل الحزين: استعارة تصريحية شبه صوت الناقة وهي تتألم بصوت رجل يتألم وسر جمالها التوضيح
وإلا فـاطرحني واتخذني
عدوا أتـّقيك وتتقيني
* اطرحنى: استعارة مكنية شبه صاحبه شيئا ماديا يطرح أرضا وسر جمالها التوضيح.
فإمــا أن تـكون أخي بحق
فأعرف منك غـَثي من سميني
* غثى : استعارة تصريحية شبه الصديق الفاسد بالغث وسر جمالها التوضيح.
* سمينى : استعارة تصريحية شبه الصديق الصالح بالسمين وسر جمالها التوضيح.
النتائج
من خلال ما سبق يتضح للباحث أنه يمكن الوقوف علي أن سر جمال الاستعارة يكمن في :
** سر جمال الاستعارة: التشخيص – التجسيم – التوضيح. بشرط:
أ – أن تكون نابعة من شعور الأديب، ومعبرة عن انفعاله، وإظهار مدى تأثره.
ب – أن تكون ملائمة لفكرة الموضوع، ومتناسقة مع بقية الصور.
ج – جمال الصورة، وجِدَّتها، وابتكارها.
د – تقوية المعنى عن طريق التشخيص والتجسيم.
المشبه المشبه به سر الجمال
مادي مادي التوضيح
معنوي معنوي التوضيح
معنوي مادي التجسيم
معنوي شخص التشخيص
مادي شخص التشخيص
التوصيات
التوصيات التي توصل إليها الباحث ما يلي
(1)/ قراءة النص قراءة متأنية للوقوف على جماليات النص الأدبي
(2)/ حفظ الجيد من أشعار العرب وخطبهم ومحاولة التذوق الأدبي لنصوصهم .
(3)/ الحث علي تعلم اللغة العربیة للنشئ وتعزیزها في المناهج المدرسیة وتفعيل البلاغة في مناهج التعليم المختلفة .
(4)/ تقديم فقرات بلاغية في الإذاعة المدرسية لجذب الطلاب لتعلم وتذوق جمال البلاغة العربية .
(5)/ يجب تقديم برامج تلفزيونية وإذاعية تحوي قطوف بلاغية ذات صور بيانية جميلة .
(6)/ تنمية الملكة الناقدة لدى الدارس لكي يميز بين التشخيص والتجسيم والتوضيح .
هذه بعض التوصیات التي أراد الباحث أن یختم بها هذا البحث المهم، والذي
رمى الى أن یحدد الفرق بين مصطلحات التشخيص والتجسيم والتوضيح بالنسبة لجمال الاستعارة فتكون نبراسا تستضئ به العقول الباحثة عن جوهر الحقیقة المطلقة ، وبشارة تلوح في أفق فجر جدید، یكون فیه للعربیة سیادة وریادة، فتسعد بها الإنسانیة كل الإنسانیة
الحمد لله رب العالمین
خاتمة
الحمد لله تعالى الذي وفقنا في تقديم هذا البحث ، وها هي القطرات الأخيرة في مشوار هذا البحث ، وقد كان البحث يتكلم عن (الاستعارة في البلاغة العربية التشخيص والتجسيد والتوضيح نموذجا ) ، وقد بذلت كل الجهد والبذل لكي يخرج هذا البحث في هذا الشكل. ونرجو من الله أن تكون رحلة ممتعة وشيقة ، وكذلك نرجو أن تكون قد أرتقت بدرجات العقل الفكر، حيث لم يكن هذا الجهد بالجهد اليسير، ولا أدعى الكمال فإن الكمال لله عز وجل فقط ، وقد قدمت كل الجهد لهذا البحث، فإن وفقت فمن الله عز وجل وإن أخفقنا فمن نفسي، يكفي شرف المحاولة، واخيراً نرجو أن يكون هذا البحث قد نال إعجابكم. وصل اللهم وسلم وبارك تسليما كثيراً على معلمنا الأول وحبيبنا سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. " فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [ الكهف: 110] صدق الله العظيم. وفي خاتمة هذا البحث أذكركم ونفسي بتقوى الله، وبالعمل الصالح لوجه الله تعالى، وقد بذلت جهداً كبيراً بهذا البحث وهو عمل خالص لله تعالى ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
المراجع
1- موقع المعاني لكل اسم معنى ، معجم المعاني الجامع .
2- نفسه .
3- ينظر : معجم المصطلحات العربية في اللغة والأدب ، مجدي وهبة وكامل المهندس ، مكتبة لبنان ، ط2 ، 1984 :102 ، ومعجم المصطلحات الأدبية ، إبراهيم فتحي ، المؤسسة العربية ، صفاقس ، تونس ، 1986 : 85
4- الصورة الفنية معياراً نقدياً ، د. عبدالإله الصائغ :419 دار الشؤون الثقافية ،بغداد : 1987م .
5- ينظر :دراسات في الشعر العربي المعاصر ، د.شوقي ضيف 236 ،دار المعارف بمصر ، طبعة منقحة 1997 ، الصورة الفنية في التراث النقدي البلاغي ، د. جابر عصفور 419،دار الشؤون الثقافية بغداد 1987 .... وغيرها .
6- للاستزادة ينظر : التجسيد في الدرس البلاغي والنقدي عند العرب ، أ.م .د فاضل عبود التميمي ، مجلة الفتح ، العدد التاسع والعشرون 2007 م .