الفهرس
المقدمة 2
الفصل الاول 7
المبحث الاول: 7
اولا : تعريف التشبيه 8
طرفا التشبيه 11
المبحث الثاني 16
اولا تقسيم التشبيه باعتبار الأداة 15
ثانيا أغراض التشبيه 17
الفصل الثاني
نماذج من تشبيهات القرآن الكريم 19
الخاتمة 64
النتائج 65
التوصيات 66
المصادر والمراجع 67
المقدمة
الحمد الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اتبـع سنته إلى يوم الدين... وبعد... فإن الصلة بكتاب الله تعالى، وبالكتب المفسرة لمعانيه، والمبينة لمقاصده ومراميه، تجعـل الإنسان يحلق بروحه عاليا، مستمدا سموه من سمو كلام الله، ومسلتهما رفعته من رفعة كتاب الله القرآن الكريم بما حواه من فصاحة، وبلاغة، وتشريعات حكيمة، وأخلاق رفيعة، وآدب عالية، يترقى دائما بالمعتنين به في هذه المجالات رقيا لا توقف له، ويعلو بهم علـوا لا هبوط له. كيف وهو كلام رب العالمين، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. و تتنوع الصلة بكتاب الله تعالى، وجامعها هو خدمة كتاب الله بأي نوع مـن أنـواع الخدمة، تعلما وتعليما، وتلاوة وإقراء، وتفسيرا وتجويدا، وإعرابا وبلاغة، وغيرها.... ولـن يعدم الصادق في رغبته من سبيل يخدم به كتاب الله تعالى. و من أهم أنواع الصلة بكتاب الله التفهم والتدبر لما حواه من تشبيهات بليغة، لا نظير لها، تجلي الحقائق بأوضح بيان، وأحسن أسلوب، وهذه التشبيهات عند التأمل والتمعن نجدها ترمي إلى معاني عظيمة، وفيها عظات جليلة، حري أن تفرد بالتأليف والتصنيف، والشـرح والتوضيح، وبيان أقوال المفسرين فيها، ليتحقق التدبر الأمثل لكتاب الله، ومـن ثم التطبيـق والعمل بما فيه. و هذا الموضوع ـ أعني موضوع التشبيهات القرآنية ـ لا يزال بحاجة إلى مزيد بحث ، وجمع، لما فيها من العظات والعبر، ولما فيها أيضا من البلاغة الفائقة، ولأجل ذلك رغبت في أن يكون الموضوع الذي أتقدم به لنيل درجة الماجستير بعنوان (نماذج وصور من بلاغة التشبيه في القـرآن الكـريم)، أحلل فيه التشبيه بذكر أركانه أولا، ثم أفسر الآية تفسيرا موجزا، ثم أفرد أثر التشبيه على تفسير الآية، وما يضفيه إليه من جمال الدلالة، وحسن البيان عن المعنى المراد،
اهمية الموضوع
1ـــ إن علوم اللغة العربية تعد من أفضل العلوم وأجلها قدرًا، وذلك لشرف موضوعها الذي يتعلق بكلام الله عز وجل، وإن التشبيه فرع من علم البيان وله بالغ الاثر في فهم تفسير الايات القرانية
2 ـــ مدى أهمية بلاغة التشبيه في فهم القرآن وتدبره، والوقوف على معانيه.
3 ــــ الموضوع يظهر ويبرز جانبا من جوانب الاعجاز البياني في القران الكريم
4 ــــــــ اعتماد هذا الموضوع على الجمع والدراسة والتحليل يكسب الباحث قوة الملكة في فهم وتدبر وتعلم جماليات التشبيه وبلاغتة في القران الكريم
أسباب اختيار الموضوع:
1 ـــ الرغبة في زيادة الفائدة في بلاغة التشبيه من خلال القرآن الكريم، والتبحر في فهم المعاني
2 ــ إن القران الكريم معجزة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم الخالدة ومن اعظم جوانب الاعجاز فيه الاعجاز البياني
3ــــ إبراز دور التشبيهات القرانية في افهام المعنى ونحليته بالصورة الجمالية
أهداف الدراسة:
1ــ التعمق في فهم كتاب الله عز وجل لما فيه من شموليه وبلاغة عالية القدر
2ـــ اكساب خبرة وملكة في اللغة وبلاغة التشبيه واستكشاف المعاني التفسيرية المتعددة المترتبة على بلاغة التشبيه من خلال عرض بعص الصور والنماذج
3ــ إثراء المكتبة الإسلامية بدراسة علمية محكمة حول هذا الموضوع، ينتفع بها المسلمون والباحثون وطلبة العلم.
خطة البحث
اقتضت طبيعة هذا البحث تقسيمه إلى مقدمة وفصلين وخاتمة وفهارس، وتفصيلها على ما يلي: المقدمة: تتضمن أهمية الموضوع،
وأسباب اختياره، والدراسات السابقة، ومنهج البحث وحدوده
. الفصل الأول
المبحث الاول:
تعريف التشبيه ـ طرفا التشبيه من حيث الإفراد والتركيب
المبحث الثاني
اولا تقسيم التشبيه باعتبار الاداة
ثانيا اغراض التشبيه
الفصل الثاني:
دراسة بعض الآيات من كتاب ربنا العزيز الحكيم كنماذج أبيين فيها بلاغة التشبيه وجعلتها نماذج نظرا لكثرة التشبيهات في القرآن الكريم
منهج البحث
سرت في هذا البحث معتمدأ على المنهج الاستقرائي الوصفي ولا مانع من مناهج أخري كالمنهج الاستنباطي حسب ما يقتضيه البحث
اتبعت في بحثي الخطوات التالية:
1 ـ ذكر الآيات بالرسم العثماني
2 ـ عرض الآيات وفق ترتيبها في المصحف الشريف.
٣ـ أذكر تحليل التشبيه، مكتفيا بذكر أركانه الأربعة الرئيسة، وهي: (المشبه، والمشبه به، وأداة التشبيه، ووجه الشبه)، وما زاد على ذلك كنوع التشبيه، والغرض منه، معتمدا على بعض الرسائل العلمية السابقة
وأذكر أثر التشبيه في الآية. .وبيان تفسير الآية تفسيرا موجزا من خلال أقوال العلماء من الصحابة والتابعين
.عزو الآيات إلى سورها، وبيان أرقامها
حدود البحث
أولا: الاقتصار على بعض الآيات من القرآن الكريم ـ ـ نظرا لكثرة التشبيهات في القران الكريم
الفصل الاول
المبحث الاول:
تعريف التشبيه ـ طرفا التشبيه من حيث الإفراد والتركيب
اولا : تعريف التشبيه
التشبيه لغة: التمثيل، وهو مصدر مشتق من الفعل «شبّه» بتضعيف الباء، يقال: شبّهت هذا بهذا تشبيها، أي مثّلته به.
والتشبيه في اصطلاح البلاغيين فابن رشيق مثلا يعرفه بقوله: «التشبيه: صفة الشيء بما قاربه وشاكله من جهة واحدة أو جهات كثيرة، لا من جميع جهاته، لأنه لو ناسبه مناسبة كلية لكان إياه. ألا ترى أن قولهم «خدّ كالورد» إنما أرادوا حمرة أوراق الورد وطراوتها، لا ما سوى ذلك من صفرة وسطه وخضرة كمائمه» (3).
التشبيه لغة: هو التّمثيل، شبّهت هذا بذاك، مثّلته به. والتشبيه اصطلاحا: بيان أن شيئا أو أشياء شاركت غيرها في صفة أو أكثر، بإحدى أدوات التشبيه المذكورة أو المقدّرة المفهومة من سياق الكلام.
. وقد عرّفه القزويني بقوله: «التشبيه: الدلالة على مشاركة أمر لآخر في معنى». وهذا يعني أنّ المتشابهين ليسا متطابقين في كل شيء.(4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). مفتاح العلوم، السكّاكي، ص 162.
(2). الإيضاح في علوم البلاغة، الخطيب القزويني، ص
(3) العمدة ج 1 ص 256.
(4) ـ(4)عب(4)ععبعبعبدالعبعب(4) كتاب علم البيان
وأبو هلال العسكري يعرفّه بقوله: «التشبيه: الوصف بأن أحد الموصوفين ينوب مناب الآخر بأداة التشبيه، ناب منابه أو لم ينب، وقد جاء في الشعر وسائر الكلام بغير أداة التشبيه، وذلك قولك: «زيد شديد كالأسد»، فهذا القول هو الصواب في العرف وداخل في محمود المبالغة، وإن لم يكن زيد في شدته كالأسد على حقيقته» (1).
ويعرّفه الخطيب القزويني بقوله: «التشبيه: هو الدلالة على مشاركة أمر لأمر في معنى» (2).
ويعرّفه التنوخي بقوله: «التشبيه: هو الإخبار بالشبه، وهو اشتراك الشيئين في صفة أو أكثر ولا يستوعب جميع الصفات» (3).
وللتشبيه تعريفات أخرى كثيرة لا تخرج في جوهرها ومضمونها عما أوردناه منها آنفا، ومن مجموع هذه التعريفات نستطيع أن نخرج للتشبيه بالتعريف التالي:
التشبيه: بيان أن شيئا أو أشياء شاركت غيرها في صفة أو أكثر، بأداة هي الكاف أو نحوها ملفوظة أو مقدرة، تقرّب بين المشبه والمشبه به في وجه الشبه.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن «التمثيل» نوع من أنواع التشبيه، وهذا رأي عبد القاهر الجرجاني الذي يقول: «والتمثيل ضرب من ضروب التشبيه، والتشبيه عام والتمثيل أخص منه، فكل تمثيل تشبيه، وليس كل تشبيه تمثيلا» (4).
__________
(1) كتاب الصناعتين ص 239.
(2) انظر متن التلخيص في «مجموع المتون الكبرى» ص 473.
(3) كتاب الأقصى القريب للتنوخي ص 41.
(4) كتاب أسرار البلاغة ص 75.
ولكنّ كثيرا من البلاغيين ينظرون إلى المعنى اللغوي للتشبيه، وهو التمثيل، فيجعلون التشبيه والتمثيل مترادفين، ومن هؤلاء البلاغيين ضياء الدين بن الأثير الذي يقول: «وجدت علماء البيان قد فرّقوا بين التشبيه والتمثيل، وجعلوا لهذا بابا ولهذا بابا مفردا، وهما شيء واحد لا فرق بينهما في أصل الوضع، يقال شبّهت هذا الشيء بهذا الشيء، كما يقال مثلته به. وما أعلم كيف خفي ذلك على أولئك العلماء مع ظهوره ووضوحه» (1).
التشْبيه والتمثيل في اللّغة مترادفان معناهما واحد، وهو بيان وُجود صفة أو أكثر في المشبَّه مُشابِهَةٍ لمَا يَظْهَرُ من صفاتٍ في المشبَّه به.
والتشابه اشتراك شيئين فأكثر في صفةٍ أو صفاتٍ متماثلات، وقد يؤدّي هذا الاشتراك إلى اللّبْس وعدم القدرة على التَّعْيين، إذا كان المطلوب فرداً معيّناً أو صنفاً معيّناً فيه هذه الصفة أو الصفات.
المعنى الاصطلاحي:
المعنى الاصطلاحي عند البيانيين للتشبيه والتمثيل مطابق للمعنى اللّغوي، وقالوا في تعريفه أقوالاً أحسنها:
"الدّلالة على مشاركة شيءٍ لشيءٍ في معنىً من المعاني أو أكثر على سبيل التطابق أو التقارب لغرضٍ ما".
أركان التشبيه
أركان التشبيه أربعة هي:
1 - المشبّه.
2 - المشبه به. ويسميان «طرفي التشبيه».
3 - أداة التشبيه، وهي الكاف أو نحوها ملفوظة أو مقدرة.
4 - وجه الشبه، وهو الصفة أو الصفات التي تجمع بين الطرفين.(2)
__________
(1 )علم البيان عبدالعزيز عتيق
(2) البلاغة العربية للميداني
طرفا التشبيه :
طرفا التشبيه هما المشبه والمشبه به، وهما ركناه الأساسيان، وبدونهما لا يكون تشبيه.
ولعل قدامة بين جعفر هو أول من بحث التشبيه بحثا أقرب إلى المنهاج العلمي، فأساس التشبيه عنده أن يقع بين شيئين بينهما اشتراك في معان تعمّهما ويوصفان بها، وافتراق في أشياء ينفرد كل واحد منهما بصفتها.
وهو يبني قوله هذا على أساس أن الشيء لا يشبّه بنفسه ولا بغيره من كل الجهات، لأن الشيئين إذا تشابها من جميع الوجوه، ولم يقع بينهما تغاير البتة اتّحدا، فصار الاثنان واحدا. وإذا كان الأمر كذلك، فأحسن التشبيه عنده هو ما وقع بين الشيئين اشتراكهما في الصفات أكثر من انفرادهما فيها، حتى يدنى بهما إلى حال الاتحاد (1).
وقد تابع أبو هلال العسكري قدامة في رأيه القائل بأن الشيئين إذا تشابها من جميع الوجوه، ولم يقع بينهما تغاير البتة اتحدا، فصار الاثنان واحدا، وذلك إذ يقول: «ويصح تشبيه الشيء بالشيء جملة، وإن شابهه من وجه واحد،
مثل قولك: وجهك مثل الشمس، ومثل البدر، وإن لم يكن مثلهما في ضيائهما ولا عظمهما، وإنما شبّه بهما لمعنى يجمعهما وإياه وهو الحسن. وعلى هذا قول الله عز وجلّ: وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ، إنما شبّه المراكب بالجبال من جهة عظمها لا من جهة
صلابتها ورسوخها ورزانتها، ولو أشبه الشيء الشيء من جميع جهاته لكان هو هو» (2).وما من شك في أن ابن رشيق كان ينظر أيضا إلى قول قدامة الآنف الذكر عند ما قال في كتابه العمدة ما معناه: إن المشبه لو ناسب المشبه به مناسبة كلية لكان إياه، كقولهم «فلان كالبحر»، إنما يريدون كالبحر سماحة وعلما وليس يريدون ملوحة البحر وزعوقته (3).
ومما يجري مجرى الكلام السابق بالنسبة لطرفي التشبيه قول السكاكي: «لا يخفى عليك أن التشبيه مستدع طرفين مشبّها ومشبّها به(4)
(1) انظر نقد الشعر لقدامة ص 77 - 78.
2) كتاب الصناعتين ص 239.
(3) كتاب العمدة ج 1 ص 256.
(4) كتاب مفتاح العلوم للسكاكي ص 177.
طرفا التشبيه من حيث الإفراد والتركيب
1 - المفرد وأنواعه:
المفرد بلاغيا: كل ما ليس مركّبا، نحو: الولد نظيف، الولدان نظيفان، الأولاد نظيفون.
ويكون المفرد:
1 - مطلقا: إذا لم يقيّد بشيء نحو: ثغر كالدرّ، وخدّ كالورد.
2 - مقيّدا: إذا أتبع بإضافة، أو وصف، أو حال، أو ظرف، أو سوى ذلك. ويجب أن يكون لهذا القيد تأثير في وجه الشّبه. نحو: الساعي بغير طائل كالرّاقم على الماء. التعليم في الصغر كالنقش على الخحر
2 - المركّب:
المركّب بلاغيا: هو الصورة المكوّنة والمنتزعة من اجزاء من عدد من العناصر المتشابكة والمتماسكة.
ومثاله قول بشّار بن برد:
كأن مثار النّقع فوق رؤوسنا … وأسيافنا، ليل تهاوى كواكبه
المشبه مركب من النقع مثارا فوق الرؤوس، ومن السيوف اللامعة المتهاوية على رؤوس الأعداء.
والمشبّه به مركّب أيضا من الليل الدامس المظلم، ومن الكواكب اللامعة المتهاوية.(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) علوم البلاغة البيان والبديع محمد احمد قاسم
ويَنْقَسِمُ التشبيهُ باعتبارِ وجهِ الشَّبَهِ إلى تمثيلٍ وغيرِ تمثيلٍ:
فالتمثيلُ: أيُّ تشبيهٍ كانَ وجْهُهُ مُنْتَزَعًا ومأخوذًا منْ مُتَعَدِّدٍ؛ أَمْرَيْنِ أوْ أمورٍ،
وكأن أجرام النجوم لوامعًا ... درر نثرن على بساط أزرق
فوجه الشبه أيضًا هو الهيئة المركبة من صور بيض مشرقة، منثورة في رقعة مبسوطة زرقاء, وكلها أشياء حسية كما ترى. ومثال الوجه العقلي ما تقدم لك في قول الشاعر:
والمستجير بعمرو عند كربته ... كالمستجير من الرمضاء بالنار
فإن وجه الشبه "كما عرفت" هيئة مركبة من أمور عقلية في الالتجاء من الضار إلى ما هو أضر, مع الطمع في الانتفاع به. ومثله قوله تعالى في تشبيه حال اليهود بحال الحمار: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} فإن وجه الشبه هيئة مركبة من أمور عقلية هي حرمان الانتفاع، بأبلغ نافع، مع معاناة الكد في تحمله1.
غيرُ التمثيلِ: ما ليسَ كذلكَ، أيْ لمْ يكُنْ وجْهُه مُنْتَزَعًا منْ مُتَعَدِّدٍ، كتشبيهِ النَّجْمِ بالدرْهَمِ؛ فإنَّ وجهَ الشبَهِ ههنا وهوَ البياضُ والصفا ليسَ مُنْتَزَعًا منْ مُتَعَدِّدٍ.
ويَنْقَسِمُ بهذا الاعتبارِ أيضًا: أيْ ويَنْقَسِمُ التشبيهُ انقسامًا آخَرَ باعتبارِ وَجْهِ الشَّبَهِ أيضًا إلى مُفَصَّلٍ ومُجْمَلٍ:
التشبيه المجمل، وهو ما حُذف منه وجه الشبه، كأن نقول: هذا الرجل كالأسد، ونقول: العلماء كالنجوم، ونقول: وجه كالبدر، ونقول: شعر كالليل، وخد كالورد، ونقول: رجل كالأسد
أما إذا ذكر وجه الشبه؛ فإنه يسمى بالتشبيه المفصل، وتعريفه هو ما ذكر فيه وجه الشبه، كقولنا مثلًا: وجهه كالبدر حسنًا، وخده كالورد حمرة، وشعره كالليل سوادًا، وطبعًا منه قول ابن الرومي:
يا شبيه البدر في الحسن وفي بعد المنال
ومنه أيضًا قول أبي بكر الخالدي:
يا شبيه البدر حسنًا وضياء ومنالًا ... وشبيه الغصن لينًا وقوامًا واعتدالًا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المنهاج الواضح في البلاغة
المبحث الثاني اولا تقسيم التشبيه باعتبار الاداة
ثانيا اغراض التشبيه
اولا تقسيم التشبيه باعتبار الأداة:
ينقسم التشبيه بهذا الاعتبار إلى قسمين: مرسل، ومؤكد.
فالمرسل: ما ذكرت فيه الأداة لفظًا، أو تقديرًا. فمثال ما ذكرت فيه الأداة لفظًا قولك: سجعه كسجع الحمام، ووشيه كوشي الطاووس. ومثال ما قدرت فيه الأداة قولك: "سجعه سجع الحمام" "ووشيه وشي الطاووس" إذا قدرت في نفسك أنه على معنى الكاف، وأن المشبه مثل المشبه به لا عينه.
والمؤكد: ما تركت فيه الأداة لفظًا وتقديرًا أي: ترك التصريح بها، وتُنُوسِي تقديرها في نظم الكلام أيضا؛ إشعارًا بأن المشبه عين المشبه به مبالغة, كما تقول في المثالين السابقين: سجعه سجع الحمام، ووشيه وشي الطاووس,
إذا علمت هذا, علمت أن كل مثال تركت فيه الأداة يحتمل أن يكون من قبيل المؤكد إن لم تقدر فيه الأداة, وأن يكون من قبيل المرسل إن قدرت الأداة, ما لم تقم قرينة على المراد.
ومن التشبيه المؤكد: ما أضيف فيه المشبه به إلى المشبه
والريح تعبث بالغصون وقد جرى ... ذهب الأصيل على لجين الماء
شبه الشاعر الماء بالفضة في النقاء والصفاء, ثم أضاف المشبه به إلى المشبه بعد حذف الأداة, وتناسيها في نظم الكلام.
وسمي التشبيه "مؤكدًا" لأنه أكد وقرر بدعوى اتحاد الطرفين, وأن المشبه هو المشبه به, لا يتميز أحدهم
لمصطلح الأول: "التشبيه المرسل" وهو التشبيه الذي ذكرت فيه أداةٌ من أدوات التشبيه. مثل قولنا: "خالد كالأسد".
المصطلح الثاني: "التشبيه المؤكَّد" وهو التشبيه الذي لم تُذْكَرْ فيه أداةٌ من أدوات التشبيه. مثل قولنا: "خالد أسَدٌ
المصطلح الثالث: "التشبيه المفصّل" وهو التشبيه الذي ذُكِرَ فيه وجه الشبه. مثل قولنا: "خالدٌ كالأسد في الشجاعة والبأس"
المصطلح الرابع: "التشبيه المجمل" وهو التشبيه الذي لم يُذْكر فيه وَجْه الشبه. مثل قولنا: "خالدٌ كالأسد
المصطلح الخامس: "التشبيه البليغ" وهو التشبيه الذي لم تُذْكر فيه أداة التشبيه، ولم يُذْكَر فيه أيضاً وجْه الشبه. . مثل قولنا: "خالد أسَدٌ (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البلاغة العربية للميداني
التشبيه البليغ: والتشبيه إذا ما حذفت منه الأداة ووجه الشبه فهو «التشبيه البليغ» وهو أعلى مراتب التشبيه في البلاغة وقوة المبالغة، لما فيه من ادّعاء أن المشبّه هو عين المشبه به، ولما فيه من الإيجاز الناشئ عن حذف الأداة والوجه معا، هذا الإيجاز الذي يجعل نفس السامع تذهب كل مذهب، ويوحي لها بصور شتى من وجوه التشبيه
"التشبيه الضمني":
ولاحظ البيانيُّون أنّ عاقد التشبيه قد يَتْرُك الطريقة المعهودة في ذكر المشبَّه والمشبَّهِ به، ويَتّخِذُ طريقة غيْرَ صريحة في التشبيه، وذلك بأن يأتِيَ بكلام مستقلّ مقرون بكلام آخر، وقد اشتمل هذا الكلام الآخر على معنًى يُفْهَمُ مِنْهُ ضمناً تشبيهٌ يناسب الكلام المستقلّ الذي اقترن به .على غير طريقة التشبيه الاصطلاحي (1)
التشبيه الضمني: تشبيه لا يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة، بل يلمحان في
التركيب. وهذا الضرب من التشبيه
يؤتى به ليفيد أن الحكم الذي أسند إلى المشبه ممكن.
والامثلة على ذلك
(1) قول أبي العتاهية (هو أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم كوفي مولداً ونشأة - الولادة والوفاة "130 - 211هـ" معظم شعره مواعظ وحكم) :
تَرْجُو النَّجَاةَ وَلَمْ تَسْلُكْ مَسَالِكَهَا ... إنَّ السَّفِينَةَ لاَ تَجْري على الْيَبَسِ
الشطر الثاني تضمَّنَ تَشبيها، ولم يأت على نسق التشبيه المعهود من ذكر المشبّه والمشبَّه به.
وإيضاح هذا التشبيه الضمني هو أنّ مَنْ لم يسْلُكْ مسَالِكَ النَّجَاةِ تكون حالهُ مثل حال السَّفينة البحريّة إذا وُضِعَتْ في البرّ على اليابسة، فإنَّها لا تجري. المشبه حال من يرجو النجاة من عذاب الآخرة ولا يسلك مسالك النجاة، والمشبه به حال السفينة التي تحاول الجري على الأرض اليابسة
(3) قول المتنبي من قصيدة يرثي فيها والدةَ سيف الدولة ويمدحُهُ فيها:
فَإِنْ تَفُقِ الأَنَامَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ ... فَإِنّ الْمِسْكَ بَعْضُ دَمِ الْغَزَالِ
الشطر الثاني اشتمل على تشبيه ضِمْنِيّ واضح الدّلالة، وقد ساقه مساق حُجَّةٍ يُثْبتُ فيها ما ادّعاه لسيف الدولة، من تفوّق على أنَام زمانه.(1)
(1)علم البيان عبدالعزيز عتيق
ثانيا أغراض التشبيه
قد يلجأ الكاتب أو الشاعر في التعبير إلى أسلوب التشبيه لشعوره بأنه أكثر من غيره في إصابة الغرض ووضوح الدلالة على المعنى.
. و الأغراض التي تعود على المشبه هي:
1 - بيان إمكان وجود المشبّه: وذلك حين يسند إلى المشبه أمر مستغرب لا تزول غرابته إلا بذكر شبيه له.
مثال ذلك قول المتنبي:
فإن تفق الأنام وأنت منهم … فإن المسك بعض دم الغزال
فالتشبيه هنا ضمني، وفيه ادّعى الشاعر أن المشبّه وهو الممدوح مباين لأصله بصفات وخصائص جعلته حقيقة
منفردة. ولما رأى غرابة دعواه وأن هناك من قد ينكر وجودها احتجّ على صحتها بتشبيه الممدوح
بالمسك الذي أصله دم الغزال.
2 - بيان حال المشبه: وذلك حينما يكون المشبه مجهول الصفة غير معروفها قبل التشبيه،فيفبده التشبيه الوصف.
ومن أمثلة ذلك قول النابغة الذبياني:
فإنك شمس والملوك كواكب … إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب
فالنابغة يشبه ممدوحة بالشمس، ويشبّه غيره من الملوك بالكواكب، لأن عظمة ممدوحة تغضّ من عظمة كل ملك كما تخفي الشمس الكواكب. ولما كانت حال الممدوح وغيره من الملوك، وكلّ منهما مشبّه، مجهولة غير معروفة، فقد أتى بالمشبّه به لبيان أن حال الممدوح مع غيره من الملوك كحال الشمس مع الكواكب، فإذا ظهر أخفاهم كما تخفي الشمس الكواكب بطلوعها.
3 - بيان مقدار حال المشبه: أي مقدار حاله في القوة والضعف والزيادة والنقصان، وذلك إذا كان المشبه معروف الصفة قبل التشبيه معرفة إجمالية، ثم يأتي التشبيه لبيان مقدار هذه الصفة. وذلك نحو قول عنترة:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة … سودا كخافية الغراب الأسود
فعنترة يخبر في هذا البيت بأن حمولة أهل محبوبته تتألف من اثنتين وأربعين ناقة تحلب، ثم وصف هذه النوق بأنها سود، والنوق السود هي أنفس الإبل وأعزّها عند العرب.
ولبيان مقدار سواد هذه النوق شبّهها بخافية الغراب الأسحم، أي جناحه الأسود. فالغرض من التشبيه بيان مقدار حال المشبّه.
.
4 - تقرير حال المشبه:
.
ومن أمثلة هذا الغرض أيضا قول الشاعر:
وأصبحت من ليلى الغداة كقابض … على الماء خانته فروج الأصابع
فحال الشاعر مع صاحبته ليلى هي حال من كلما دنا منها بعدت عنه، أو حال من كلما أوشك أن يظفر بها أفلتت منه، وقد أراد الشاعر أن
يقرر هذه الحالة ويوضّحها فشبّهها بحال القابض على الماء يحاول إمساكه والظفر به فيسيل ويخرج من بين أصابعه.
فالغرض من هذا التشبيه أيضا تقرير حال المشبه. ومما يلاحظ على هذا الغرض أنه لا يأتي إلا حينما يكون المشبه أمرا معنويا، لأن النفس لا تسلّم بالمعنويات تسليمها بالحسيّات، ومن أجل ذلك تكون في حاجة إلى الإقناع.
5 - تزيين المشبّه: ويقصد به تحسين المشبّه والترغيب فيه عن طريق تشبيهه بشيء حسن الصورة أو المعنى.
سوداء واضحة الجبيـ ... ـن كمقلة الظبي الغرير
فالوجه الأسود مما لا يستحسن في رأي العين, فلأجل الترغيب فيه شبه بمقلة الظبي في حسن سوادها واستدارته تزيينا له عند السامع، فيتخيله حسنا
،6 - تقبيح المشبه: وذلك إذا كان المشبّه قبيحا قبحا حقيقيا أو اعتباريا فيؤتى له بمشبّه به أقبح منه يولّد في النفس صورة قبيحة عن المشبّه تدعو إلى التنفير عنه.
ومن أمثلة ذلك قول الشاعر المتنبي في الهجاء:
وإذا أشار محدّثا فكأنه … قرد يقهقه أو عجوز تلطم
فالمتنبي يشبّه المهجو عند ما يتحدث بالقرد يقهقه أو العجوز تلطم.
والغرض من التشبيه تقبيح المشبّه لأن قهقهة القرد ولطم العجوز أمران مستكرهان تنفر منهما النفس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البلاغة العربية للميداني
الفصل الثاني
نماذج من تشبيهات القرآن الكريم
1 ــ قوله تعالى ـ((ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [سُورَة الْبَقَرَة : آيَة 74]
وصف التشبيه وتحليله:
نوع التشبيه: تشبيه مرسل مفصل
اركان التشبيه
المشبه :قلوب بني اسرائيل
المشبه به : الحجارة او اشد قسوة
الاداة : الكاف
وجه الشبة :القسوة
التشبه مرسل حيث ذكرت الاداة ومفصل حيث ذكر وجه الشبه
الغرض : تقبيح المشبه
تفسير الآية :
الْقَسْوَةُ وَالْقَسَاوَةُ تُوصَفُ بِهَا الْأَجْسَامُ وَتُوصَفُ بِهَا النُّفُوسُ الْمُعَبَّرُ عَنْهَا بِالْقُلُوبِ فَالْمَعْنَى الْجَامِعُ لِلْوَصْفَيْنِ هُوَ عَدَمُ قَبُولِ التَّحَوُّلِ عَنِ الْحَالَةِ الْمَوْجُودَةِ إِلَى حَالَةٍ تُخَالِفُهَا.
وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْقَسَاوَةُ مَوْضُوعَةً لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ الْحِسِّيِّ وَالْقَلْبِيِّ- وَهُوَ احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ- أَمْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِلْأَجْسَامِ حَقِيقَةً وَاسْتُعْمِلَتْ فِي الْقُلُوبِ مَجَازًا وَهُوَ الصَّحِيحُ، فَقَدْ شَاعَ هَذَاُ وَلِأَنَّ أَشْهَرَ الْأَشْيَاءِ فِي هَذَا الْوَصْف هُوَ الْحجر فَإِذَا ذُكِرَتِ الْقَسْوَةُ فَقَدْ تَهَيَّأَ التَّشْبِيهُ بِالْحَجَرِ
وَقَدْ كَانَتْ صَلَابَةُ الْحَجَرِ أَعْرَفَ لِلنَّاسِ وَأَشْهَرَ لِأَنَّهَا مَحْسُوسَةٌ فَلِذَلِكَ شُبِّهَ بِهَا،وَوَجْهُ تَفْضِيلِ تِلْكَ الْقُلُوبِ عَلَى الْحِجَارَةِ فِي الْقَسَاوَةِ أَنَّ الْقَسَاوَةَ الَّتِي اتَّصَفَتْ بِهَا الْقُلُوبُ مَعَ كَوْنِهَا نَوْعًا مُغَايِرًا لِنَوْعِ قَسَاوَةِ الْحِجَارَةِ قَدِ اشْتَرَكَا فِي جِنْسِ الْقَسَاوَةِ الرَّاجِعَةِ إِلَى مَعْنَى عَدَمِ قَبُولِ التَّحَوُّلِ كَمَا تَقَدَّمَ فَهَذِهِ الْقُلُوبُ قَسَاوَتُهَا عِنْدَ التَّمْحِيصِ أَشَدُّ مِنْ قَسَاوَةِ
الْحِجَارَةِ لِأَنَّ الْحِجَارَةَ قَدْ يَعْتَرِيهَا التَّحَوُّلُ عَنْ صَلَابَتِهَا وَشِدَّتِهَا بِالتَّفَرُّقِ وَالتَّشَقُّقِ وَهَذِهِ الْقُلُوبُ لَمْ تُجْدِ فِيهَا مُحَاوَلَةٌ.
وفُضِّلَتْ الْحِجَارَةُ عَلَى قُلُوبِ هَؤُلَاءِ بِمَا يَحْصُلُ عَنْ هَذِهِ الْحِجَارَةِ مِنْ مَنَافِعَ فِي حِينِ تُعَطَّلُ قُلُوبُ هَؤُلَاءِ مِنْ صُدُورِ النَّفْعِ بِهَا (1 )
ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ القساوة عبارة عن الغلظ مع الصلابة، كما في الحجر. وقساوة القلب مثل في نبوه عن الاعتبار والحجارة تتأثر وتنفعل فإن منها ما يتشقق فينبع منه الماء، وتنفجر منه الأنهار، ومنها ما يتردى من أعلى الجبل انقياداً لما أراد الله تعالى به. وقلوب هؤلاء لا تتأثر ولا تنفعل عن أمره تعالى.(2) {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ} والقسوةُ عبارةٌ عن الغِلَظ والجفاء والصَّلابة كما في الحَجَر استُعيرت لنُبوِّ قلوبهم عن التأثر (3 )
ولكنكم لم تنتفعوا بذلك; إذ بعد كل هذه المعجزات الخارقة اشتدت قلوبكم وغلظت، فلم يَنْفُذ إليها خير، ولم تَلِنْ أمام الآيات الباهرة التي أريتكموها، حتى صارت قلوبكم مثل الحجارة الصمَّاء، بل هي أشد منها غلظة; لأن من الحجارة ما يتسع وينفرج حتى تنصبَّ منه المياه صبًا، فتصير أنهارًا جاريةً، ومن الحجارة ما يتصدع فينشق، فتخرج منه العيون والينابيع، ومن الحجارة ما يسقط من أعالي الجبال مِن خشية الله تعالى وتعظيمه. وما الله بغافل عما تعملون.(4 ) {كالحجارة أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} بمعنى «بَلْ» أي بل أشد قسوة وقال بعضهم: هي للترديد، أو التخيير فمن عرف حالها شبهها بالحجارة أو بما هو أقسى كالحديد، ومن لم يعرفها شبهها بالحجارة أو قال: هي أقسى من الحجارة(5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 ) تفسير التحرير والتنوير الطاهر ابن عاشور
(2) تقسير البيضاوي
(3 ) تفسير ابي السعود
4 ) التفسير الميسر
( 5 ) صفوة التفاسير
اثر التشبيه في تفسير الآية :
الحجارة هي الشيء القاسي الذي تدركه حواسنا ومألوف لنا ومألوف لبني إسرائيل أيضا. . لأن لهم مع الحجارة شوطا كبيرا عندما تاهوا في الصحراء. . وعندما عطشوا وكان موسى يضرب لهم الحجر بعصاه.
الله تبارك وتعالى لفتهم إلى أن المفروض أن تكون قلوبهم لينة ورفيقة حتى ولو كانت في قسوة الحجارة.
. ولكن قلوبهم تجاوزت هذه القسوة فلم تصبح في شدة الحجارة وقسوتها بل هي أشد.
ولكن كيف تكون القلوب أشد قسوة من الحجارة. . لا تنظر إلى لينونة مادة القلوب ولكن انظر إلى أدائها لمهمتها.
الجبل قسوته مطلوبة لأن هذه مهمته أن يكون وتداً للأرض صلبا قويا، ولكن هذه القسوة ليست مطلوبة من القلب وليست مهمته. . أما قلوب بني إسرائيل فهي أشد قسوة من الجبل. . والمطلوب في القلوب اللين، وفي الحجارة (3 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3 ) تفسر الشعراوي
3 ـ
الببي
(2 ) ــ قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لَا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (264)سورة البقرة
وصف التشبيه وتحليله :
تتتنالتشبيه الاول
المشبه : المؤمن يبطل صدقته بالمن والاذى
المشبه به : الكافر يتصدق رياء
الاداة الكاف
وجة الشبة عدم الانتفاع بهذه الصدقات
نوع التشبيه مرسل مجمل
الغرض من التشبيه تقبيح المشبه
التشبيه الثاني
المشبه : الكافر الذي يتصدق رياء
المشبه به :الحجر الاملس المغطى بالتراب فيصيبه مطر غزير فيتركه املس يابسا
اداة التشبيه : كمثل
وجه الشبه : سرعة الزوال وعدم القرار
نوع التشبيه تمثيلى لكون وجه الشبه صورة منتزعة من متعدد
الغرض من التشبيه تقبيح المشبه
تفسير الآية :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى لا تحبطوا أجرها بكل واحد منهما. كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ كإبطال المنافق الذي يرائي بإنفاقه ولا يريد به رضا الله تعالى ولا ثواب الآخرة، أو مماثلين الذي ينفق رئاء الناس، والكاف في محل النصب على المصدر أو الحال، ورِئاءَ نصب على المفعول له أو الحال بمعنى مرائياً أو المصدر أي إنفاق رِئاءَ. فَمَثَلُهُ أي فمثل المرائي في إنفاقه. كَمَثَلِ صَفْوانٍ كمثل حجر أملس. عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ مطر عظيم القطر. فَتَرَكَهُ صَلْداً أملس نقياً من التراب. لاَّ يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا لا ينتفعون بما فعلوا رئاء ولا يجدون له ثواباً،(1)
يا من آمنتم بالله واليوم الآخر لا تُذْهِبُوا ثواب ما تتصدقون به بالمنِّ والأذى، فهذا شبيه بالذي يخرج ماله ليراه الناس، فيُثنوا عليه، وهو لا يؤمن بالله ولا يوقن باليوم الآخر، فمثل ذلك مثل حجر أملس عليه تراب هطل عليه مطر غزير فأزاح عنه التراب، فتركه أملس لا شيء عليه، فكذلك هؤلاء المراؤون تضمحلُّ أعمالهم عند الله، ولا يجدون شيئًا من الثواب على ما أنفقوه. والله لا يوفق الكافرين لإصابة الحق في نفقاتهم وغيرها.(2)
اثر التشبيه في تفسير الآية :
فالذي يتصدق ويتبع صدقته بالمن والأذى، إنما يُبطل صدقته، وخسارته تكون خسارتين: الخسارة الأولى أنه أنقص ماله بالفعل؛ لأن الله لن يعوض عليه؛ لأنه أتبع الصدقة بما يبطلها من المن والأذى، والخسارة الأخرى هي الحرمان من الثواب؛ فالذي ينفق ليقول الناس عنه إنه ينفق، عليه أن يعرف أن الحق يوضح لنا: أنه يعطي الأجر على قاعدة أن الذي يدفع الأجر هو من عملت له العمل.(3)
{والله لاَ يَهْدِى القوم الكافرين} إلى الخير والرشاد والجُملة تذييلٌ مقرِّرٌ لمضمونِ ما قبله وفيه تعريضٌ بأن كلاًّ من الرياء والمنِّ والأذى من خصائص الكفارِ ولا بد للمؤمنين أن يجتنبوها (4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تتنابابلبليبايبابا(1 )تفسير البيضاوي
التفسير ا
(2) الت(2) التفسير الميسر
(3 )تفسير الشعراوي
(4 )تفسير ابي السعود
(1) تفسير البيضاويتت
3 ـ قوله تعالى ((وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ كَأَنَّما أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِماً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (27)من سورة يونس
لاية 27 من سورة يونس
وصف التشبيه وتحليله :
نوع التشبيه: " تشبيه مرسل مفصل
ذكر فيه أداة التشبيه ووجه الشبه,
المشبه: وجوه الكفار وما يعلوها من الذلة والمهانة
. المشبه به: قطع الليل المظلم حالكة السواد.
أداة التشبيه: كأنما وهي شائعة الاستعمال في التشبيه التمثيلي
. وجه الشبه: سواد الظلام الحالك في الليل وكذلك في ظلمات المعاصي والكفر.
غرض التشبيه: تقبيح حال المشبه
تفسير الآية :
والذين عملوا السيئات في الدنيا فكفروا وعصَوا الله لهم جزاء أعمالهم السيئة التي عملوها بمثلها من عقاب الله في الآخرة، وتغشاهم ذلَّة وهوان، وليس لهم مِن عذاب الله مِن مانع يمنعهم إذا عاقبهم، كأنما أُلبست وجوههم أجزاء من سواد الليل المظلم. هؤلاء هم أهل النار ماكثون فيها أبدًا.(2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التفسير الميسر
ويشير إليه البغوي بقوله: " يغشاهم ذل وهوان لعقاب الله إياهم...كأنما ألبست . وجوههم سوادا من الليل المظلم "
اثر التشبيه في تفسير الآية :
لقد صور الحق سبحانه في هـذا التـشبيه صورة كاملة الوضـوح للظلام الحسي والنفسي الذي يغشى تلك الوجوه الكافرة والتي باءت بالكرة الخاسرة, الوجـوه التـي ركبتها الذلة من كل مكان فكربتها وأحاطت بأصحابها خطايا غابر الزمان
قطع إلى قطع فرقت ثم ألقيـت عـلى وجـوه صور التشبيه الليل الحالك وكأنه قد القوم, إنها ساحة رعب يلفها الظلام وتملأها الرهبة إذا نظرت فيها رأيت وجوه القـوم الحائرة الخاسرة وقد ألبست بظلام من ذلك الليل الأليل البهيم. قال
قال في البحر: "لما ذكر ما أعـد للـذين أحـسنوا وحـالهم يـوم القيامـة ومـآلهم إلى الجنة, ذكر ما أعد لأضدادهم وحالهم ومآلهم, وجاءت صلة المؤمنين أحـسنوا, وصـلة الكــافرين كــسبوا الــسيئات, ً تنبيهــا عــلى ّ أن المــؤمن لمــا خلــق عــلى الفطــرة وأصــلها بالإحسان, وعلى أن الكافر لما خلق على الفطرة انتقل عنهـا وكـسب الـسيئات, فجعـل ذلك ً محسنا, وهذا ً كاسبا للسيئات, ليدل على ّ أن المؤمن سلك ما ينبغي, وهذا سلك ما لا ينبغي"
وكل ذلك التشبيه البديع والتصوير الفظيع لتلك الحال دليل على رحمـة الـرحمن, ذلك أنه سبحانه بين لنا مآل كل من صد عن سبيل االله وقـارف الـسيئات فأقـام الحجـة وأظهر المحجة فله الحمد على كـل حـال
ذكر أصحاب النار، فذكر أن بضاعتهم التي اكتسبوها في الدنيا هي الأعمال السيئة المسخطة لله، من أنواع الكفر والتكذيب، وأصناف المعاصي، فجزاؤهم سيئة مثلها أي: جزاء يسوؤهم بحسب ما عملوا من السيئات على اختلاف أحوالهم.(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 )تفسير السعدي
4 ـ قوله تعالى ((وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (42) سورة هود
وصف التشبيه وتحليله :
نوع التشبيه: تشبيه مرسل مجمل
المشبه: الموج الذي تجري عليه السفينة
. المشبه به: الجبال
. أداة التشبيه: الكاف
. وجه الشبه: الارتفاع والعظمة.
غرض التشبيه: بيان حال المشبه.
تفسير الآية :
وهي تجري بهم في موج يعلو ويرتفع حتى يصير كالجبال في علوها، ونادى نوح ابنه -وكان في مكانٍ عَزَل فيه نفسه عن المؤمنين- فقال له: يا بني اركب معنا في السفينة، ولا تكن مع الكافرين بالله فتغرق.(1)
وَالْمَوْجُ: مَا يَرْتَفِعُ مِنَ الْمَاءِ عَلَى سَطْحِهِ عِنْدَ اضْطِرَابِهِ، وَتَشْبِيهُهُ بِالْجِبَالِ فِي ضَخَامَتِهِ. وَذَلِكَ إِمَّا لِكَثْرَةِ الرِّيَاحِ الَّتِي تَعْلُو الْمَاءَ وَإِمَّا لِدَفْعِ دَفَقَاتِ الْمَاءِ الْوَارِدَةِ مِنَ السُّيُولِ وَالْتِقَاءِ الْأَوْدِيَةِ الْمَاءَ السَّابِقَ لَهَا، فَإِنَّ حَادِثَ الطُّوفَانِ مَا كَانَ إِلَّا عَنْ مِثْلِ زَلَازِلَ تَفَجَّرَتْ بِهَا مِيَاهُ الْأَرْضِ وَأَمْطَارٌ جَمَّةٌ تَلْتَقِي سُيُولُهَا مَعَ مِيَاهِ الْعُيُونِ فَتَخْتَلِطُ وَتَجْتَمِعُ وَتَصُبُّ فِي الْمَاءِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهَا حَتَّى عَمَّ الْمَاءُ جَمِيعَ الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ اللَّهُ إِغْرَاقَ أَهْلِهَا، (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 ) التفسير الميسر
(2 )التحرير والتنوير
اثر التشبيه في تفسير الآية :
أظهر التشبيه ً طرفا من عناية الله بعبـاده المـؤمنين وحفظـه لهـم وكيـف أنـه جلـت قدرته نجاهم في تلك الفلك رغـم أنهـا كانـت تـصارع الأمـواج العاتيـة العظيمـة التـي غطت الجبال وزادت فوق ارتفاعها حتى كأنها جبال فـوق الجبـال ومـع ذلـك حفظهـا سبحانه برعايته وكلأها بعنايته.
فقـد بينـت هـذه الآيـة عظمة قدرة مسبب الأسباب وأن الأمر الله من قبل ومن بعد, ينجي من يـشاء بفـضله, ويهلك من يشاء بعدله, وأن الأسباب وحدها لا تكفـي, ولـذلك لمـا أراد ابـن نـوح أن يأخذ بالأسباب −في نظره هو− بين له النبي المدرك لحقيقة التوكل, أنـه لا عاصـم من أمر الله إلا من رحم فلا أسباب تنفع ولا حيل تجدي إذا وقع أمره. كما بينت الآية أن الناس انقسموا إلى فـريقين لا ثالـث لهـما, فريـق هـدى و فريـق حق عليهم الضلالة, وأن من لا يصحب المؤمنين فيخشى عليه أن يهلك مع الهالكي
وبينت ً أيضا أن العبد إذا ركن إلى رأيه واستقل به عن ما جاء به الدليل واستغنى عن رأي أهل العلم والإيمان, فربما أورد نفسه المهالك وأقـدم عـلى حتفـه في حـين كـان يؤمل في فعله النجاة
كذلك فإن في الآية إشارة لطيفة لشؤم العقـوق وأنـه طريـق للهلكـة, فكيـف إذا كان الوالد نبي مرسل وهو نوح
. وفيها بيان لرحمة نوح بابنه وحرصـه الـشديد عـلى مواصـلة الـدعوة إلى الله حتـى آخر لحظة من لحظات العمر, وفيها أن النسب الشريف لا يغني عن صاحبه ًشيئا وإنـما العبرة بالصالح بالعمل
6 ـ5 ـ قوله تعالى ((فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31) سورة يوسف
وصف التشبيه وتحليله :
نوع التشبيه: تشبيه بليغ
المشبه: يوسف . المشبه به: َملك من الملائكة
. أداة التشبيه: محذوفة.
وجه الشبه: شدة الحسن والجمال.
غرض التشبيه: تزيين حال المشبه.
تفسير الآية :
فلما سمعت امرأة العزيز بغِيْبتهن إياها واحتيالهن في ذمِّها، أرسلت إليهن تدعوهن لزيارتها، وهيَّأت لهن ما يتكئن عليه من الوسائد، وما يأكلنه من الطعام، وأعطت كل واحدة منهن سكينًا ليُقَطِّعن الطعام، ثم قالت ليوسف: اخرج عليهن، فلما رأينه أعظمنه وأجللنه، وأخَذَهن حسنه وجماله، فجرحن أيديهن وهن يُقَطِّعن الطعام من فرط الدهشة والذهول، وقلن متعجبات: معاذ الله، ما هذا من جنس البشر; لأن جماله غير معهود في البشر، ما هو إلا مَلَك كريم من الملائكة.(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) التفسير الميسر
اثر التشبيه في تفسير الآية :
لقد ترك هذا التشبيه جملة من الآثار في تفسير الآية: أولها: أن المركوز في أفهـام النـاس أن أحـسن الأحيـاء صـورة هـم الملائكـة, وأن أقبحها صورة الشياطين ولهذا يشبه بهما مـن تنـاهى حـسنه أو قبحـه وإن كـان النـاس لم يروهما, قال الزمخشري: "كما ركز فيها أن لا أقبح من الشيطان, ولذلك يشبه كل متنـاه في الحسن والقبح بهما, وما ركز ذلك فيها إلا لأن الحقيقة كذلك, كما ركز في الطبـاع أن لا أدخل في الشر من الشياطين, ولا أجمع للخير من الملائكة
: أن الله مع المتقين, يتولاهم برعايته ويحفظهم بعنايته ويحـيطهم بحمايتـه, وإن أولى المتقين بتلـك العنايـة وذلـك الحفـظ هـم أنبيـاء الله المـصطفين الأخيـار الـذين هيأهم الله لتبليغ رسالته وأهلهم لحمل أمانته, فحاشاه سبحانه أن يخذلهم أو يكلهم إلى أنفسهم, أو يسلط عليهم من يفتنهم, فكيف إذا صاحب ذلـك دعـوة صـادقة وتـضرع مخلص من ذلك النبي الصالح, الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم.(1)
أنهُنَّ قد نَزَّهْنَ صاحب تلك الصورة عن حدوث منكر أو فاحشة بينه وبين امرأة العزيز، أو: أن يوسف عليه السلام لا بد أن يكون قد خرج عن صورة أرقى من صورة الإنس التي يعرفنها؛ فقُلْنَ: لا بدّ أنه مَلَكٌ كريم.
وصورة الملك كما نعلم هي صورة مُتخيَّلة؛ والإنسان يحكم على الأشياء المُتَخيَّلة بما يناسب صورتها في خياله، (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 )الكشاف للزمخشري
(2 ) تفسير الشعراوي
6 ــ قوله تعالى ((لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (14)سورة الرعد
وصف التشبيه وتحليله : نوع التشبيه: تشبيه تمثيلي
حيث شبه عدم استجابة المدعوين باستجابة الماء لمن يسأله أن يأتي إلى فيه وأنى له ذلك.
المـشبه: المشركون حينما يدعون آلهـتهم ويرجـون نفعهـا فـلا تـستجيب لهـم تلـك الآلهة بشيء
. المـشبه بـه: مـن يحـاول أن يحمـل المـاء إلى فيـه وذلـك في كفـين مبـسوطتين غـير مقبوضتين وأنى له أن يبلغه
. أداة التشبيه: الكاف
. وجه الشبه: طلب المحال, والجهل وسوء التقدير للأمور.
غرض التشبيه: بيان حال المشبه.
تفسير الآية :
يبين الطاهر بن عاشور طبيعة التشبيه بقولـه: " والكـلام تشبيه تمثيلي شـبه حـال المشركين في دعائهم الأصنام وجلب نفعهم وعدم اسـتجابة الأصـنام لهـم بشيء بحـال الظمآن يبسط كفيه يبتغي أن يرتفع الماء في كفيه المبسوطين إلى فمه ليرويه وما هو ببالغ إلى فمه بذلك الطلب فيذهب سعيه باطلا"(1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التحرير والتنوير
(2)
لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ الدعاء الحق فإنه الذي يحق أن يعبد ويدعى إلى عبادته دون غيره، أو له الدعوة المجابة فإن من دعاه أجابه، ويؤيده ما بعده والْحَقِّ على الوجهين ما يناقض الباطل وإضافة ال دَعْوَةُ لما بينهما من الملابسة، أو على تأويل دعوة المدعو الحق. وقيل الْحَقِّ هو الله تعالى وكل دعاء إليه دعوة الحق، والمراد بالجملتين إن كانت الآية في أربد وعامر أن إهلاكهما من حيث لم يشعرا به محال من الله إجابة لدعوة رسوله صلّى الله عليه وسلّم أو دلالة على أنه على الحق، وإن كانت عامة فالمراد وعيد الكفرة على مجادلة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحلول محاله بهم وتهديدهم بإجابة دعاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم عليهم، أو بيان ضلالهم وفساد رأيهم. وَالَّذِينَ يَدْعُونَ أي والأصنام الذين يدعوهم المشركون، فحذف الراجع أو والمشركون الذين يدعون الأصنام فحذف المفعول لدلالة مِنْ دُونِهِ عليه. لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ من الطلبات. إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إلا استجابة كاستجابة من بسط كفيه. إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ يطلب منه أن يبلغه. وَما هُوَ بِبالِغِهِ لأنه جماد لا يشعر بدعائه ولا يقدر على إجابته والإِتيان بغير ما جبل عليه وكذلك آلهتهم. وقيل شبهوا في قلة جدوى دعائهم لها بمن أراد أن يغترف الماء ليشربه فبسط كفيه ليشربه.(1)
ومن عجائب التشبيه أنه يرينا المشرك في غاية من العطش ولا يـستطيع أن يـصل إلى مبتغاه من الماء ليشرب, وهو يعيش في جو بينته الآيات السابقة, إنه الجـو الـذي قـد ملأه البرق والرعد والسحاب الثقال (2)
لله سبحانه وتعالى وحده دعوة التوحيد (لا إله إلا الله) ، فلا يُعبد ولا يُدعى إلا هو، والآلهة التي يعبدونها من دون الله لا تجيب دعاء مَن دعاها، وحالهم معها كحال عطشان يمد يده إلى الماء من بعيد; ليصل إلى فمه فلا يصل إليه، وما سؤال الكافرين لها إلا غاية في البعد عن الصواب لإشراكهم بالله غيره. (3 )
(1 ) تفسير البيضاوي
(3) الكشاف للزمخشرى
(4) التفسير الميسر
أثر التشبيه قي تفسير الآية :
لقد صور التـشبيه المـشركين في دعـائهم الأصـنام ً تـصويرا ً واضـحا ً فاضـحا فـلا يمكن أن تراه في صورة أبلغ ولا أوضح من تلك الصورة, صورة العطشان الهائم عـلى وجهه حتى إذا ما وجد الماء, أقبل عليه ومد يديه إليه ً سائلا ومتوسلا للـماء أن يتحـرك من مكانه باتجاه فيه فيروي عطشه, وذلك ما لا يقول بهمن له مسحة من عقل
فكذلك تلك الأصنام لا تملك لنفسها ًضرا ولا ً نفعا, فكيف تنفـع غيرهـا. قـال الزمخشري~: "إلا استجابة كاسـتجابة باسـط كفيـه, أي كاسـتجابة المـاء مـن بـسط كفيه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه, والماء جماد لا يشعر ببـسط كفيـه ولا بعطـشه وحاجتـه إليه, ولا يقدر أن يجيب دعاءه ويبلغ فاه, وكذلك ما يدعونه جماد لا يحس بدعائهم ولا يستطيع إجابتهم ولا يقدر على نفعهم, وقيل: شـبهوا في قلـة جـدوى دعـائهم لآلهـتهم بمن أراد أن يغرف الماء بيديه ليشربه, فبسطهما ً ناشرا أصابعه, فلم تلـق كفـاه منـه ً شـيئا
إنه تشبيه صادق يـدعو أصـحاب العقـول ليتفكـروا في أنفـسهم وآلهـتهم, أفمـن يخلق أحق أن يعبد أممن لا يخلق, أفمن يرزق أحـق أن يـشكر أم مـن لا يـرزق, أفمـن يضر وينفع أحق أن يخشى ويرجى أممن لا يـضر ولا ينفـع
7 ـ قوله تعالى ((مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (18) سورة ابراهيم
وصف التشبيه وتحليله :
نوع التشبيه: " تشبيه تمثيلي"
المشبه: أعمال الكفار في عدم قبولها عند الله.
المشبه به: الرماد الذي أطارته الريح بشدة فأخذته في يوم شديد العصف ففرقتـه في أماكن متباعدة متفاوتة لا يمكن حصرها أو الوصول إليها
. أداة التشبيه: الكاف في قوله كرماد
. وجه الـشبه: هو الهيئة الحاصلة مـن اضـمحلال شيء كثـير بعـد تجمعـه وهـو هنـا ضياع الأعمال وعدم الاستفادة منها كما يـضيع الرمـاد في الـريح فـلا يتوصـل إليـه ولا ينتفع به
تفسير الآية :
" فـشبه الله تعـالى أعـمال الكفار في بطلانها وعدم الانتفاع بها برماد مرت عليه ريح شديد في يوم عاصف, فشبه سبحانه أعمالهم في حبوطها وذهابها باطلا كالهباء المنثور, لكونها عـلى غـير أسـاس مـن الإيمان والإحسان ; وكونها لغير الله تعالى وعلى غير أمره برماد طيرته الريح العاصف فلا يقدر صاحبه على شئ منه وقت شدة حاجته إليه (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معجم الاساليب البلاغية في القران الكريم
تَمْثِيلٌ لِحَالِ مَا عَمِلَهُ الْمُشْرِكُونَ مِنَ الْخَيْرَاتِ حَيْثُ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ أَثَارَ هَذَا التَّمْثِيلُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ السَّابِقُ مِنْ شِدَّةِ عَذَابِهِمْ، فَيَخْطُرُ بِبَالِهِمْ أَوْ بِبَالِ مَنْ يَسْمَعُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَسْأَلَ نَفْسَهُ أَنَّ لَهُمْ أَعْمَالًا مِنَ الصِّلَةِ وَالْمَعْرُوفِ مِنْ إِطْعَامِ الْفُقَرَاءِ، وَمِنْ عِتْقِ رِقَابٍ، وَقِرَى ضُيُوفٍ، وَحِمَالَةِ دِيَاتٍ، وَفِدَاءِ أُسَارَى، وَاعْتِمَارٍ، وَرِفَادَةِ الْحَجِيجِ، فَهَلْ يَجِدُونَ ثَوَابَ ذَلِكَ؟ وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُ الْكَافِرِينَ تَطَلَّبَتْ نُفُوسُهُمْ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ وُجُودِ عَمَلٍ صَالِحٍ وَبَيْنَ عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، فُضُرِبَ هَذَا الْمَثَلُ لِبَيَانِ مَا يكْشف جَمِيع احتمالات.
وَالْمَثَلُ: الْحَالَةُ الْعَجِيبَةُ، أَيْ حَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا الْعَجِيبَةُ أَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَرَمَادٍ الْخَ.
فَالْمَعْنَى: حَالُ أَعْمَالِهِمْ، بِقَرِينَةِ الْجُمْلَةِ الْمُخْبَرِ عَنْهَا لِأَنَّهُ مَهْمَا أُطْلِقَ مَثَلُ كَذَا إِلَّا وَالْمُرَادُ حَالٌ خَاصَّةٌ مِنْ أَحْوَالِهِ يُفَسِّرُهَا الْكَلَامُ، فَهُوَ مِنَ الْإِيجَازِ الْمُلْتَزَمِ فِي الْكَلَامِ.
فَقَوْلُهُ: أَعْمالُهُمْ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ، وكَرَمادٍ خَبَرٌ عَنْهُ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ عَنِ الْمُبْتَدَأِ
الْأَوَّلِ.
وَلَمَّا جُعِلَ الْخَبَرُ عَنْ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا، أَعْمالُهُمْ آلَ الْكَلَامُ إِلَى أَنَّ مَثَلَ أَعْمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا كَرَمَادٍ.
شُبِّهَتْ أَعْمَالُهُمُ الْمُتَجَمِّعَةُ الْعَدِيدَةُ بِرَمَادٍ مُكَدَّسٍ فَإِذَا اشْتَدَّتِ الرِّيَاحُ بِالرَّمَادِ انْتَثَرَ وَتَفَرَّقَ تَفَرُّقًا لَا يُرْجَى مَعَهُ اجْتِمَاعُهُ. وَوَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ الْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ مِنَ اضْمِحْلَالِ شَيْءٍ كَثِيرٍ بَعْدَ تَجَمُّعِهِ، وَالْهَيْئَةُ الْمُشَبَّهَةُ مَعْقُولَةٌ.
وَوَصْفُ الْيَوْمِ بِالْعَاصِفِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ، أَيْ عَاصِفٌ رِيحُهُ، كَمَا يُقَالُ: يَوْمٌ مَاطِرٌ، أَيْ سَحَابُهُ .وَالرَّمَادُ: مَا يَبْقَى مِنَ احْتِرَاقِ الْحَطَبِ وَالْفَحْمِ
وَمِنْ لَطَائِفِ هَذَا التَّمْثِيلِ أَنِ اخْتِيرَ لَهُ التَّشْبِيهُ بهيئة الرماد المتجمع، لِأَنَّ الرَّمَادَ أَثَرٌ لِأَفْضَلِ أَعْمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَأَشْيَعِهَا بَيْنَهُمْ وَهُوَ قِرَى الضَّيْفِ حَتَّى صَارَتْ كَثْرَةُ الرَّمَادِ كِنَايَةً فِي لِسَانِهِمْ عَنِ الْكَرَمِ.
وَجُمْلَةُ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ التَّشْبِيهِ، أَيْ ذَهَبَتْ أَعْمَالُهُمْ سُدًى فَلَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِشَيْءٍ مِنْهَا.
وَجُمْلَةُ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ تَذْيِيلٌ جَامِعٌ لِخُلَاصَةِ حَالِهِمْ، وَهِيَ أَنَّهَا ضَلَالٌ بَعِيدٌ.
وَالْمُرَادُ بِالْبَعِيدِ الْبَالِغُ نِهَايَةَ مَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ مَاهِيَّتُهُ، أَيْ بِعِيدٌ فِي مَسَافَاتِ الضَّلَالِ، فَهُوَ كَقَوْلِكَ: أَقْصَى الضَّلَالِ (1)
(1) التحرير والتنوير
أثر التشبيه في تفسير الآية :
من آثار التشبيه تقرير حقيقة عقدية مهمة جدا وهـي أن الله لا يقبـل مـن المـشرك
الذي يموت على شركه ًصرفا ولا عدل بل كل سعيه في بوار ومآله إلى النـار وإن كـان
في أعين الناس من الأبرار.
لقد صور التشبيه للناس ً مشهدا ً متحركا ً عاصفا يقـرع القلـوب المؤمنـة, ويـوقظ النفوس الحية, ويحـرك المـشاعر الكامنـة في الفطـر الـسليمة الزكيـة, ليقـول لهـا: عليـك ً, عضي عليه بالنواجذ فهو العـروة الـوثقى, وحبـل الله المتـين, وصراطـه بالتوحيد أولا المستقيم.
التوحيد الذي لا ينفع بدونه عمل ولا أقوى دلالـة عـلى هـذه الحقيقـة مـن ذلـك المـشهد العاصـف الـذي تعـصف فيـه الـريح القويـة بـذرات الرمـاد الخفيفـة المتطـايرة, فتتشتت في أصقاع الأرض فليس إلى وصول إليها من سبيل..
فكل عمل −وإن بلغ مـن الـصلاح مـا بلـغ− فمآلـه الـضياع, مـالم يؤسـس عـلى قاعدة التوحيد الايمان واليقين
كل عمل بلا توحيد يـصبح ً هبـاء منثـورا,
صفة أعمال الكفار في الدنيا كالبر وصلة الأرحام كصفة رماد اشتدت به الريح في يوم ذي ريح شديدة، فلم تترك له أثرًا، فكذلك أعمالهم لا يجدون منها ما ينفعهم عند الله، فقد أذهبها الكفر كما أذهبت الريح الرماد، ذلك السعي والعمل على غير أساس، هو الضلال البعيد عن الطريق المستقيم.(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التفسير الميسر
8 ـ قوله تعالى ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (24) سورة ابراهيم
وصف التشبيه وتحليله :
نوع التشبيه : تشبيه مرسل مفـصل حيـث ذكر أداة التـشبيه ووجـه الـشبه,
المشبه: كلمة التوحيد والإيمان
. المشبه به: الشجرة الطيبة
. أداة التشبيه: الكاف
. وجه الشبه: الثبات والسمو والارتفاع وكثرة الثمر.
غرض التشبيه: تزيين المشبه.
تفسير الآية :
ويشرح ابن القيم هذا المثل بقوله: " فشبه الكلمة الطيبة بالشجرة تثمر الثمر النافع, وهذا ظاهر عـلى قـول جمهـور المفـسرين: الكلمـة الطيبـة: شـهادة أن لا إلا الله, فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة, الظاهرة والباطنة, فكل عمل صـالح مرضي الله فهـو ثمرة هذه الشجرة (1) كيف ضرب الله مثلا لكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) بشجرة عظيمة، وهي النخلة، أصلها متمكن في الأرض، وأعلاها مرتفع علوًّا نحو السماء(2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)معجم الأساليب البلاغية في القرآن الكريم
(2) التفسير الميسر
أثر التشبيه في تفسير الآية :
لقد وصف هـذا التشبيه كلمة التوحيـد ومـا يتبعهـا مـن الإيـمان في قلـب العبـد المسلم أعظم وصف, واختار أفضل الأشجار لتكون شبيهة له, فكما أن النخلة راسخة الجذور لا تهزها الأعاصير, ممـشوقة القـوام لا يـصل إليهـا الأقـزام, فكـذلك التوحيـد والإيمان في قلب المؤمن راسـخ كالجبـال الراسـيات, ثابـت لا تغـيره شـبهة قادمـة, ولا تؤثر فيه شهوة عارمة, ولا تفت من عضده قوة ظالمة
هكذا المؤمن الحق لا تزعزع قناعاته رياح الباطـل, ولا تـصل إلى قلبـه صـيحات التغيـير ونعـرات الجهـل, ولا تطاله معاول الطغيـان, ذلـك أنـه أدرك الهـدى فأحبـه وعمقت جذوره في قلبه فلا يتركه لغيره, ولا تمتد عينـه لـسواه, فكيـف يـستبدل الـذي هو أدنى بالذي هو خير.
وكما أن النخلة تطل على العالم من علو فكذلك المؤمن ينظر العـالم ببـصر العاقـل القارئ المتدبر لآيـات الله الكونيـة, فيـسمو عـما يخـوض فيـه أهـل الباطـل مـن ترهـات الفتن.
وقد ذكر ابن الجوزي ً طرفا مـن آثـار التـشبيه في تفـسير الآيـة فقـال: "فأمـا بالنخلة, فمن أوجه: ِ الحكمة في تمثيل الإيمان بثباتها في قلب المؤمن ِّ ثبات الإيمان
أحدها: أنها شديدة الثبوت, فشبه ارتفاع عمل المؤمن بارتفاع فروعها. والثاني: أنها شديدة الارتفاع ِّ فـشبهمـا يكـسب المـؤمن مـن بركـة ِ الإيـمان والثالث: أن ثمرتها تـأتي كـل حـين, وثوابه في كل وقت بثمرتها المجتناة في كـل حـين عـلى اخـتلاف صـنوفها, فـالمؤمن كلـما قال لا اله الا الله صعدت الي السماء , ثم جاءه خيرها ومنفعتها. ِ والرابـع: أنهـا ُ أشـبه الـشجر ِ بالإنـسان (1)
(1) زاد المسير
9 ـ قوله تعالى ((وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَها مِنْ قَرارٍ (26) سورة ابراهيم
وصف التشبيه وتحليله :
نوع التشبيه : تشبيه مرسـل مفـصل
المشبه: كلمة الشرك والكفر
. المشبه به: الشجرة الخبيثة
. أداة التشبيه: الكاف
. وجه الشبه: عدم الثبوت وانعدام النفع وقبح الصفات.
غرض التشبيه: تقبيح المشبه.
تفسير الآية :
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي تَمْثِيلِ حَالِ الْكَلِمَةِ الْخَبِيثَةِ بِالشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ عَلَى الضِّدِّ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ الْمَاضِيَةِ مِنَ اضْطِرَابِ الِاعْتِقَادِ، وَضِيقِ الصَّدْرِ، وَكَدَرِ(1)
ومثل كلمة خبيثة -وهي كلمة الكفر- كشجرة خبيثة المأكل والمطعم، وهي شجرة الحنظل، اقتلعت من أعلى الأرض؛ لأن عروقها قريبة من سطح الأرض ما لها أصل ثابت، ولا فرع صاعد، وكذلك الكافر لا ثبات له ولا خير فيه، ولا يُرْفَع له عمل صالح إلى الله.(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التحرير والتنوير
(2) ـ التفسير الميسر
أثر التشبيه في تفسير الآية :
وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ كمثل شجرة خبيثة اجْتُثَّتْ استؤصلت وأخذت جثتها بالكلية.
مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ لأن عروقها قريبة منه. مَا لَها مِنْ قَرارٍ استقرار. واختلف في الكلمة والشجرة ففسرت الكلمة الطيبة: بكلمة التوحيد ودعوة الإسلام والقرآن، والكلمة الخبيثة بالشرك بالله تعالى والدعاء إلى الكفر وتكذيب الحق، ولعل المراد بهما ما يعم ذلك فالكلمة الطيبة ما أعرب عن حق أو دعا إلى صلاح، والكلمة الخبيثة ما كان على خلاف ذلك وفسرت الشجرة الطيبة بالنخلة. وروي ذلك مرفوعاً وبشجرة في الجنة، والخبيثة بالحنظلة والكشوث، ولعل المراد بهما أيضاً ما يعم ذلك (1)
(وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ) هي كلمةُ الكفر والدعاءِ إليه أو تكذيبُ الحق أو ما يعم الكل أو كلُّ كلمةٍ قبيحة (كَشَجَرَةٍ خبيثة) أي كمثل شجرة خبيثةٍ قيل هي كلُّ شجرةٍ لا يطيب ثمرُها كالحنظل والكشوث ونحوهما وتغييرُ الأسلوب للإيذان بأن ذلك غيرُ مقصود الضرب والبيان وإنما ذلك أمرٌ ظاهرٌ يعرفه كل أحد (اجتثت) استُؤصِلت وأُخذت جثّتُها بالكلية (مِن فَوْقِ الأرض) لكون عروقها قريبةً منه (مالها مِن قَرَارٍ) استقرارٍ عليها (2)
وكما أن شجرة الحنظل لا ثبات لها في الأرض ولا عروق متعمقة وراسخة فيهـا, فكذلك الكفار يعيشون بلا مبادئ ولا قيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير البيضاوي
(2) تفسير ابي السعود
10 ـ قوله تعالى ((وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً (45) سورة الكهف
وصف التشبيه وتحليله : نوع التشبيه :تشبيه تمثيلي
المشبه حال الحياة الدنيا في زينتها وبهجتها، ثم زوالها،
المشبه به نبات الارض ينزل عليه الما ء يكون اخضر جميلا ثم ييبس ويزول
اداة التشبيه الكاف
وجه الشبه الهيئة المنتزعة من بهجة ونضارة ثم هلاك وزوال وفناء
تفسير الآية :
واضرب أيها الرسول للناس -وبخاصة ذوو الكِبْر منهم - صفة الدنيا التي اغترُّوا بها في بهجتها وسرعة زوالها، فهي كماء أنزله الله من السماء فخرج به النبات بإذنه، وصار مُخْضرًّا، وما هي إلا مدة يسيرة حتى صار هذا النبات يابسًا متكسرًا تنسفه الرياح إلى كل جهة. وكان الله على كل شيء مقتدرًا، أي: ذا قدرة عظيمة على كل شيء. (1)
والمعنى. واذكر لهم- أيها الرسول الكريم- ما يشبه هذه الحياة الدنيا في حسنها ونضارتها، ثم في سرعة زوال هذا الحسن والنضارة، لكي لا يركنوا إليها، ولا يجعلوها أكبر همهم، ومنتهى آمالهم.
وقوله: كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ.. بيان للمثل الذي شبه الله- تعالى- به الحياة الدنيا أى: مثلها في ازدهارها ثم في زوال هذا الازدهار، كهيئة أو كصفة ماء أنزلناه بقدرتنا من السماء، في الوقت الذي نريد إنزاله فيه.
(1) التفسير الميسر
فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ والاختلاط والخلط: امتزاج شيئين فأكثر بعضهما ببعض.
أى: كماء أنزلناه من السماء، فاختلط وامتزج بهذا الماء نبات الأرض، فارتوى منه، وصار قويا بهيجا يعجب الناظرين إليه.
وفي التعبير بقوله: فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ دون قوله: فاختلط بنبات الأرض إشارة إلى كثرة الماء النازل من السماء، وإلى أنه السبب الأساسى في ظهور هذا النبات، وفي بلوغه قوته ونضارته.
وقوله: فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ بيان لما صار إليه هذا النبات من يبوسته وتفتته، بعد اخضراره وشدته وحسنه.
قال القرطبي ما ملخصه: «هشيما» أى متكسرا متفتتا، يعنى بانقطاع الماء عنه، فحذف ذلك إيجازا لدلالة الكلام عليه، والهشم، كسر الشيء اليابس. والهشيم من النبات: اليابس المتكسر.. ورجل هشيم: ضعيف البدن.
و «تذروه الرياح» أى تفرقه وتنسفه.. يقال: ذرت الريح الشيء تذروه ذروا، إذا طارت به وأذهبته»
فأصبح النبات بعد اخضراره، يابسا متفتتا، تفرقه الرياح وتنسفه وتذهب به حيث شاءت وكيف شاءت. فأنت ترى أن الآية الكريمة قد شبهت حال الدنيا في حسنها وجمال رونقها، ثم في سرعة زوالها وفنائها بعد ذلك، بحال النبات الذي نزل عليه الماء فاخضر واستوى على سوقه، ثم صار بعد ذلك يابسا متفتتا تذهب به الرياح حيث شاءت.
والتعبير بالفاء في قوله- سبحانه- فاختلط. فأصبح.. يزيد الأسلوب القرآنى جمالا وبلاغة، لأن فاء التعقيب هنا تدل على قصر المدة التي استمر فيها النبات نضرا جميلا، ثم صار هشيما تذروه الرياح.
وهكذا الحياة تبدو للمتشبثين بها، جميلة عزيزة، ولكنها سرعان ما تفارقهم ويفارقونها، حيث ينزل بهم الموت فيجعل آمالهم تحت التراب.
ثم ختم- سبحانه- الآية بقوله، وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً أى: وكان الله- تعالى- وما زال- على كل شيء من الأشياء التي من جملتها الإنشاء والإفناء كامل القدرة، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. (1 )
__________
التفسير الوسيط لطنطاوي
أثر التشبيه في تفسير الآية :
فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ بِأَنْ يَضْرِبَ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الَّتِي غَرَّتْهُمْ بَهْجَتُهَا.
وَالْحَيَاةُ الدُّنْيَا: تُطْلَقُ عَلَى مُدَّةِ بَقَاءِ الْأَنْوَاعِ الْحَيَّةِ عَلَى الْأَرْضِ وَبَقَاءِ الْأَرْضِ عَلَى حَالَتِهَا. فَإِطْلَاقُ اسْمِ الْحَياةِ الدُّنْيا عَلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ لِأَنَّهَا مُدَّةُ الْحَيَاةِ النَّاقِصَةِ غَيْرِ الْأَبَدِيَّةِ لِأَنَّهَا مُقَدَّرٌ زَوَالُهَا، فَهِيَ دُنْيَا.
وَتُطْلَقُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا عَلَى مُدَّةِ حَيَاةِ الْأَفْرَادِ، أَيْ حَيَاةِ كُلِّ أَحَدٍ. وَوَصْفُهَا بِ (الدُّنْيَا) بِمَعْنَى الْقَرِيبَةِ، أَيِ الْحَاضِرَة غير المنتظرة، كَنَّى عَنِ الْحُضُورِ بِالْقُرْبِ، وَالْوَصْفُ لِلِاحْتِرَازِ عَنِ الْحَيَاةِ الْآخِرَةِ وَهِيَ الْحَيَاةُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَوَجْهُ الشَّبَهِ: الْمَصِيرُ مِنْ حَالٍ حَسَنٍ إِلَى حَال سيّء. وَهَذَا تَشْبِيهُ مَعْقُولٍ بِمَحْسُوسٍ لِأَنَّ الْحَالَةَ الْمُشَبَّهَةَ مَعْقُولَةٌ إِذْ لَمْ يَرَ النَّاسُ بَوَادِرَ تَقَلُّصِ بَهْجَةِ الْحَيَاةِ، وَأَيْضًا شُبِّهَتْ هَيْئَةُ إِقْبَالِ نَعِيمِ الدُّنْيَا فِي الْحَيَاةِ مَعَ الشَّبَابِ وَالْجِدَةِ وَزُخْرُفِ الْعَيْشِ لِأَهْلِهِ، ثُمَّ تَقَلُّصِ ذَلِكَ وَزَوَالِ نَفْعِهِ ثُمَّ انْقِرَاضِهِ أَشْتَاتًا (1)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التحرير والتنوير الطاهر بن عاشور
11 ـ قواله تعالى ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (39)سورة النور
وصف التشبيه وتحليله : المشبه حال الكفرة في جمعهم بين الكفر وأعمال البر التي يعملونها في الدنيا، ويحسبونها نافعة ومقبولة عند الله، ثم يرونها خاسرة محبطة يوم القيامة؛
المشبه به حال الظمآن يرى السراب من بعيد، فيحسبه ماء، فيروي ظمأه، فإذا بلغه لم يجده شيئا،
الاداة الكاف
وجه الشبه الهيئة العقلية الحاصلة من المنظر المطمع، مع الحقيقة اليائسة وعدم الانتفاع لعدم وجود الحقيقة
تفسير الآية :
والذين كفروا بربهم وكذَّبوا رسله، أعمالهم التي ظنوها نافعة لهم في الآخرة، كصلة الأرحام وفك الأسرى وغيرها، كسراب، وهو ما يشاهَد كالماء على الأرض المستوية في الظهيرة، يظنه العطشان ماء، فإذا أتاه لم يجده ماء. فالكافر يظن أن أعماله تنفعه، فإذا كان يوم القيامة لم يجد لها ثوابًا، ووجد الله سبحانه وتعالى له بالمرصاد فوفاه جزاء عمله كاملا. والله سريع الحساب، فلا يستبطئ الجاهلون ذلك الوعد، فإنه لا بدَّ مِن إتيانه.(1)
فندم ندما شديدا، وازداد ما به من الظمأ، بسبب انقطاع رجائه، كذلك أعمال الكفار، بمنزلة السراب، ترى ويظنها الجاهل الذي لا يدري الأمور، أعمالا نافعة، فيغره صورتها، ويخلبه خيالها، ويحسبها هو أيضا أعمالا نافعة لهواه(2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التفسير الميسر
(2) تفسير السعدي
أثر التشبيه في تفسير الآية :
يقول الطاهر ابن عاشور :
فَتَشْبِيهُ الْكَافِرِينَ وَأَعْمَالِهِمْ تَشْبِيهٌ تَمْثِيلِيٌّ: شُبِّهَتْ حَالَةُ كَدِّهِمْ فِي الْأَعْمَالِ وَحِرْصِهِمْ عَلَى الِاسْتِكْثَارِ مِنْهَا مَعَ ظَنِّهِمْ أَنَّهَا تقربهم إِلَى رضى اللَّهِ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَا تُجْدِيهِمْ بَلْ يَلْقَوْنَ الْعَذَابَ فِي وَقْتِ ظَنِّهِمُ الْفَوْزَ: شَبَّهَ ذَلِك بِحَالَة ظمئان يَرَى السَّرَابَ فَيَحْسَبُهُ مَاءً فَيَسْعَى إِلَيْهِ فَإِذَا بَلَغَ الْمَسَافَةَ الَّتِي خَالَ أَنَّهَا مَوْقِعُ الْمَاءِ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَوَجَدَ هُنَالِكَ غَرِيمًا يَأْسِرُهُ وَيُحَاسِبُهُ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْ أَعْمَالِهِ السَّيِّئَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَالَةَ الْمُشَبَّهَةَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مَحْسُوسٍ وَمَعْقُولٍ وَالْحَالَةَ الْمُشَبَّهَ بِهَا حَالَةٌ مَحْسُوسَةٌ. أَيْ دَاخِلَةٌ تَحْتَ إِدْرَاكِ الْحَوَاسِّ.
وَالسَّرَابُ: رُطُوبَةٌ كَثِيفَةٌ تَصْعَدُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا تَعْلُو فِي الْجَوِّ تَنْشَأُ مِنْ بَيْنِ رُطُوبَةِ الْأَرْضِ وَحَرَارَةِ الْجَوِّ فِي الْمَنَاطِقِ الْحَارَّةِ الرَّمْلِيَّةِ فَيَلُوحُ مِنْ بَعِيدٍ كَأَنَّهُ مَاءٌ. وَسَبَبُ حُدُوثِ السَّرَابِ اشْتِدَادُ حَرَارَةِ الرِّمَالِ فِي أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ فَتَشْتَدُّ حَرَارَةُ طَبَقَةِ الْهَوَاءِ الْمُلَاصِقَةِ لِلرَّمْلِ وَتَحِرُّ الطَّبَقَةُ الْهَوَائِيَّةُ الَّتِي فَوْقَهَا حَرًّا أَقَلَّ مِنْ حَرَارَةِ الطَّبَقَةِ الْمُلَاصِقَةِ. وَهَكَذَا تَتَنَاقَصُ الْحَرَارَةُ فِي كُلِّ طَبَقَةٍ مِنَ الْهَوَاءِ عَنْ حَرَارَةِ الطَّبَقَةِ الَّتِي دُونَهَا. وَبِذَلِكَ تَزْدَادُ كَثَافَةُ الْهَوَاءِ بِزِيَادَةِ الِارْتِفَاعِ عَنْ سَطْحِ الْأَرْضِ. وَبِحَرَارَةِ الطَّبَقَةِ السُّفْلَى الَّتِي تَلِي الْأَرْضَ تَحْدُثُ فِيهَا (1)
وأنَّ الحكم بأنَّ أعمالَ الكَفَرة كسرابٍ يحسبه الظمآنُ ماء حتَّى إذا جاءه لم يجدُه سيئا حكمٌ بأنَّها بحيث يحسبونَها في الدُّنيا نافعةً لهم في الآخرة حتَّى إذا جاءوها لم يجدُوها شيئاً(2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التحرير والتنوير
(2) تفسير ابي السعود
12 ـ قوله تعالى ((مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41)
سورة العنكبوت
وصف التشبيه وتحليله : نوع التشبيه: تشبيه تمثيلي, حيث شبه حال المـشركين في اتخـاذهم آلهـة لا تـضرهم وضعيفة هزيلة لا تحميهم ولا تنفعهم باتخاذ العنكبوت لذلك البيـت الـواهي المتنـاهي الضعف
المشبه: اتخاذ المشركين ً أصناما آلهة.
المشبه به: كالعنكبوت في اتخاذها بيتها الضعيف
. أداة التشبيه: الكاف.
وجه الشبه: الوهن وعدم الحماية فلا تدفع ًضرا ولا تجلب ً نفعا. غرض التشبيه: تقبيح المشبه.
تفسير الآية:
مثل الذين جعلوا الأوثان من دون الله أولياء يرجون نصرها، كمثل العنكبوت التي عملت بيتًا لنفسها ليحفظها، فلم يُغن عنها شيئًا عند حاجتها إليه، فكذلك هؤلاء المشركون لم يُغْن عنهم أولياؤهم الذين اتخذوهم من دون الله شيئًا، وإن أضعف البيوت لَبيت العنكبوت، لو كانوا يعلمون ذلك ما اتخذوهم أولياء، فهم لا ينفعونهم ولا يضرونهم.(1)
هذا مثل ضربه الله لمن عبد معه غيره، يقصد به التعزز والتَّقَوِّي والنفع، وأن الأمر بخلاف مقصودة، فإن مثله كمثل العنكبوت، اتخذت بيتا يقيها من الحر والبرد والآفات، فالعنكبوت من الحيوانات الضعيفة، وبيتها من أضعف البيوت، فما ازدادت باتخاذه إلا ضعفا، كذلك هؤلاء الذين يتخذون من دونه أولياء، فقراء عاجزون من جميع الوجوه، وحين اتخذوا الأولياء من دونه يتعززون بهم ويستنصرونهم، ازدادوا ضعفا إلى ضعفهم، ووهنا إلى وهنهم.(2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التفسير الميسر
(2 )تفسير السعدي
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ فيما اتخذوه معتمداً ومتكلاً. كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً فيما نسجته في الوهن والخور بل ذاك أوهن فإن لهذا حقيقة وانتفاعاً ما، أو مثلهم بالإضافة إلى الموحد كمثلها بالإضافة إلى رجل بنى بيتاً من حجر وجص، والعنكبوت يقع على الواحد والجمع والمذكر والمؤنث، والتاء فيه كتاء طاغوت ويجمع على عناكيب وعناكب وعكاب وعكبة وأعكب. وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لا بيت أوهن وأقل وقاية للحر والبرد منه. لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ يرجعون إلى علم لعلموا أن هذا مثلهم وأن دينهم أوهن من ذلك، ويجوز أن يكون المراد ببيت العنكبوت دينهم سماه به تحقيقاً للتمثيل فيكون المعنى: وإن أوهن ما يعتمد به في الدين دينهم.(1)
أثر التشبيه في تفسير الآية:
لَمَّا بُيِّنَتْ لَهُمُ الْأَشْبَاهُ وَالْأَمْثَالُ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي اتَّخَذَتِ الْأَصْنَامَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ أَصْنَامُهُمْ لَمَّا جَاءَهُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِضَرْبِ الْمَثَلِ لِحَالِ جَمِيعِ أُولَئِكَ وَحَالِ مَنْ مَاثَلَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ فِي اتِّخَاذِهِمْ مَا يَحْسَبُونَهُ دَافِعًا عَنْهُمْ وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ، بِحَالِ الْعَنْكَبُوتِ تَتَّخِذُ لِنَفْسِهَا بَيْتًا تَحْسَبُ أَنَّهَا تَعْتَصِمُ بِهِ مِنَ الْمُعْتَدِي عَلَيْهَا فَإِذَا هُوَ لَا يَصْمُدُ وَلَا يَثْبُتُ لِأَضْعَفِ تَحْرِيكٍ فَيَسْقُطُ وَيَتَمَزَّقُ. وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا الْكَلَامِ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ، وَتُعْلَمُ مُسَاوَاةُ غَيْرِهِمْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ بِدَلَالَةِ لَحْنِ الْخِطَابِ، وَالْقَرِينَةُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [العنكبوت: 42] فَضَمِيرُ اتَّخَذُوا عَائِدٌ إِلَى مَعْلُومٍ مِنْ سِيَاقِ الْكَلَامِ وَهُمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ .وَجُمْلَةُ اتَّخَذَتْ بَيْتاً حَالٌ مِنَ الْعَنْكَبُوتِ وَهِيَ قَيْدٌ فِي التَّشْبِيهِ. وَهَذِهِ الْهَيْئَةُ الْمُشَبَّهُ بِهَا مَعَ الْهَيْئَةِ الْمُشَبَّهَةِ قَابِلَةٌ لِتَفْرِيقِ التَّشْبِيهِ عَلَى أَجْزَائِهَا فَالْمُشْرِكُونَ أَشْبَهُوا الْعَنْكَبُوتَ فِي الْغُرُورِ بِمَا أَعَدُّوهُ، وَأَوْلِيَاؤُهُمْ أَشْبَهُوا بَيْتَ الْعَنْكَبُوتِ فِي عَدَمِ الْغَنَاءِ عَمَّنِ اتَّخَذُوهَا وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا وَتَزُولُ بِأَقَلِّ تَحْرِيكٍ، وَأَقْصَى مَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ مِنْهَا نَفْعٌ ضَعِيفٌ وَهُوَ السُّكْنَى فِيهَا وَتَوَهُّمُ أَنْ تَدْفَعَ عَنْهُمْ كَمَا يَنْتَفِعُ الْمُشْرِكُونَ بِأَوْهَامِهِمْ فِي أَصْنَامِهِمْ. وَهُوَ تَمْثِيلٌ بَدِيعٌ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ القرآن وجه الشَّبَهِ. وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ تَجْرِي مَجْرَى الْمِثْلِ فَيُضْرَبُ لِقِلَّةِ جَدْوَى شَيْءٍ فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْأَدْيَانَ الَّتِي يَعْبُدُ أَهْلُهَا غَيْرَ اللَّهِ هِيَ أَحْقَرُ الدِّيَانَاتِ وَأَبْعَدُهَا عَنِ الْخَيْرِ وَالرُّشْدِ (2)
(1) تفسير البيضاوي
(2) التحرير والتنوير
ضرب سبحانه لآلهة المشركين مثلاً بالذباب تارة، وبيت العنكبوت أُخرى، أمّا الاَوّل فقد مضى البحث عنه، وأمّا الثاني فهو ما تتضمنه الآية من تشبيه آلهة المشركين ومعبوداتهم المزيفة بأوهن البيوت وهو بيت العنكبوت.
وقد مرّ انّ التشبيه يترك تأثيراً بالغاً في النفوس مثل تأثير الدليل والبرهان، فتارة ينهى عن الغيبة ويقول: لا تغتب فانّه يوجب العذاب ويورث العقاب، وأُخرى يمثل عمله بالمثل التالي: وهو انّ مثل من يغتاب مثل من يأكل لحم الميت، لاَنّك نلت من هذا الرجل وهو غائب لا يفهم ما تقول ولا يسمع حتى يجيب، فكان نيلك منه كعمل من يأكل لحم الميت وهو لا يعلم ما يفعل به ولا ومع ذلك فما نسجته بيتاً لنفسها من أوهن البيوت، بل لا يليق أن يصدق عليه عنوان البيت، الذي يتألف من حائط هائل، وسقف مظلٍّ، وباب ونوافذ، وبيتها يفقد أبسط تلك المقومات هذا من جانب، و من جانب آخر فانّ بيتها يفتقد لاَدنى مقاومة أمام الظواهر الجوية والطبيعية، فلو هبّ عليه نسيم هادىَ لمزق النسيج، ولو سقطت عليه قطرة من ماء لتلاشى، ولو وقع على مقربة من نار لاحترق، ولو تراكم عليه الغبار لمزق.
هذا هو حال المشبه به، والقرآن يمثل حال الآلهة المزيفة بهذا المثل الرائع. وهو انّها لا تنفع ولا تضرّ، لا تخلق ولا ترزق، ولا تقدر على استجابة أي طلب.
بل حال الآلهة المزيفة الكاذبة أسوأ حالاً من بيت العنكبوت، وهو انّ العنكبوت تنسج بيتها لتصطاد به الحشرات ولولاه لماتت جوعاً، ولكن الاَصنام والاَوثان لا توفر شيئاً للكافر.
ثمّ إنّ الغرض من تشبيه الآلهة المزيفة بهوام وحشرات الاَرض كالبعوض والذباب والعنكبوت هو الحط من شأنها والاستهزاء بها.
إنّ العنكبوت حشرة معروفة ذكورها أصغر أجساداً من إناثها، وهي تتغذى من الحشرات التي تصطادها بالشبكة التي تمدها على جدران البيوت، فتصنع تلك الشبكة من مادة تفرزها لها غدد في باطنها محتوية على سائل لزج تخرجه من فتحة صغيرة، فيتجدد بمجرد ملامسته للهواء و يصير خيطاً في غاية الدقة، وما أن تقع الفريسة في تلك الشبكة حتى تنقض عليها وتنفث فيها سماً يوقف حركاتها، فلا تستطيع الدفاع عن نفسها.(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الامثال في القران
13 ـ قوله تعالى ((وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39)سورة يسن
وصف التشبيه وتحليله: التشبيه مرسل مجمل وأركان التشبيه
: المشبه: القمر. المشبه به: العرجون القديم
. أداة التشبيه: الكاف.
وجه الشبه: الدقة، والانحناء، والاصفرار.
تفسير الآية:
والقمرَ آية في خلقه، قدَّرناه منازل كل ليلة، يبدأ هلالا ضئيلا حتى يكمل قمرًا مستديرًا، ثم يرجع ضئيلا مثل عِذْق النخلة المتقوس في الرقة والانحناء والصفرة؛ لقدمه ويُبْسه.(1) {والقمر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} أي والقمرَ قدرنا مسيره في منازل يسير فيها لمعرفة الشهور، وهي ثمانية وعشرون منزلاً في ثمانية وعشرين ليلة، ينزل كل ليلةٍ في واحد منها لا يتخطاها ولا يتعادها، فإذا كان في آخر ليلة دقَّ واستقوس {حتى عَادَ كالعرجون القديم} أي حتى صار كغصن النخل اليابس، وهو عنقود التمر حين يجف ويصفر ويتقوس قال ابن كثير: جعل الله القمر لمعرفة الشهور، كما جعل الشمس لمعرفة الليل والنهار، وفاوت بين سير الشمس وسير القمر، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب آخره، وتنتقل في مطالعها ومغاربها صيفاً وشتاءْ، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وهي كوكبٍ نهاري، وأما القمر فقدَّره منازل يطلع في أول ليلةٍ من الشهر ضئيلاً قليل النور، ثم يزداد نوراً في الليلة الثانية ويرتفع منزلة، ثم كلما ارتفع ازداد ضياؤه حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر حتى يصير كالعرجون القديم قال مجاهد: أي العذق اليابس وهو عنقود الرطب إذا عتق ويبس وانحنى، ثم يبدأ جديداً في أول الشهر الآخر(2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التفسير الميسر
(2) صفوة التفاسير
أثر التشبيه في تفسير الآية:
فابتدأ ضوؤه وَأَخَذَ فِي الِازْدِيَادِ لَيْلَةً قَلِيلَةً ثُمَّ أَخَذَ فِي التَّنَاقُصِ حَتَّى عَادَ، أَيْ صَار كالعرجون الْقَدِيم، أَيْ شَبِيهًا بِهِ. وَعُبِّرَ عَنْهُ بِهَذَا التَّشْبِيهِ إِذْ لَيْسَ لِضَوْءِ الْقَمَرِ فِي أَوَاخِرِ لَيَالِيهِ اسْمٌ يُعْرَفُ بِهِ بِخِلَافِ أَوَّلِ أَجْزَاءِ ضَوْئِهِ الْمُسَمَّى هِلَالًا، وَلِأَنَّ هَذَا التَّشْبِيهَ يُمَاثِلُ حَالَةَ اسْتِهْلَالِهِ كَمَا يُمَاثِلُ حَالَةَ انْتِهَائِهِ.
وعادَ بِمَعْنَى صَارَ شَكْلُهُ لِلرَّائِي كَالْعُرْجُونِ. وَالْعُرْجُونُ: الْعُودُ الَّذِي تُخْرِجُهُ النَّخْلَةُ فَيَكُونُ الثَّمَرُ فِي مُنْتَهَاهِ وَهُوَ الَّذِي يَبْقَى مُتَّصِلًا بِالنَّخْلَةِ بَعْدَ قَطْعِ الْكِبَاسَةِ مِنْهُ وَهِيَ مُجْتَمَعُ أَعْوَادِ التَّمْرِ.
والْقَدِيمِ: هُوَ الْبَالِي لِأَنَّهُ إِذَا انْقَطَعَ الثَّمر تقوس واصفار وَتَضَاءَلَ فَأَشْبَهَ صُورَةَ مَا يُوَاجِهُ الْأَرْضَ مِنْ ضَوْءِ الْقَمَرِ فِي آخِرِ لَيَالِي الشَّهْرِ وَفِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ، وَتَرْكِيبُ عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ صَالِحٌ لِصُورَةِ الْقَمَرِ فِي اللَّيْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَهِيَ الَّتِي يَعْقُبُهَا الْمُحَاقُ وَلِصُورَتِهِ فِي اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنَ الشَّهْرِ هُوَ الْهِلَالُ. وَقَدْ بَسَّطَ لَهُمْ بَيَانُ سَيْرِ الْقَمَرِ وَمَنَازِلِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُتْقِنُونَ عِلْمَهُ بِخِلَافِ سير الشَّمْس.(1)
الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ قدرنا مسيره. مَنازِلَ أو سيره في منازل وهي ثمانية وعشرون: الشرطان، البطين، الثريا، الدبران، الهقعة، الهنعة، الذراع، النثرة، الطرف، الجبهة، الزبرة، الصرفة، العواء، السماك، الغفر، الزبانا، الإِكليل، القلب، الشولة، النعائم، البلدة، سعد الذابح، سعد بلع، سعد السعود، سعد الأخبية، فرغ الدلو المقدم، فرغ الدلو المؤخر، الرشا، وهو بطن الحوت ينزل كل ليلة في واحد منها لا يتخطاه ولا يتقاصر عنه، فإذا كان في آخر منازله وهو الذي يكون فيه قبيل الاجتماع دق واستقوس، وقرأ الكوفيون وابن عامر وَالْقَمَرَ بنصب الراء. حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ كالشمراخ المعوج، فعلون من الانعراج وهو الاعوجاج،. الْقَدِيمِ العتيق وقيل ما مر عليه حول فصاعداً.(2)
{والقمر قدرناه} فإذا كان في آخرِ منازلِه وهو الذي يكون قبيلَ الاجتماع دقَّ واستقوسَ {حتى عَادَ كالعرجون} كالشِّمراخِ المُعوجِ فعلون من الانعراجِ وهو الاعوجاجُ {القديم} العَتيقِ وقيل هو ما مرَّ عليه حولٌ فصاعداً (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التحرير والتنوير
(2) تفسبر البيضاوي
(3) تفسير ابي السعود
14 ـ قوله تعالى ((وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (32)سورة الشورى
وصف التشبيه وتحليله : مرسل مجمل
المشبه: السفن العظيمة الجارية في البحر
. المشبه به: الأعلام. والمقصود الجبال. وكل شيء مرتفع عند العرب فهو علامة.
أداة التشبيه: الكاف
. وجه الشبه: شكلها وعظمها وضخامتها وارتفاعها
تفسير الآية:
ومن آياته الدالة على قدرته الباهرة وسلطانه القاهر السفن العظيمة كالجبال تجري في البحر.(1)
{ومن آياته الجوار} السفنُ الجاريةُ {فِى البحرِ} {كالأعلام} أي كالجبالِ على الإطلاقِ (2)
و قال الألوسي: والاعلام جمع علم وهو الجبل وأصله الأثر الذي يعلم به الشيء كعلم الطريق وعلم الجيش وسمى الجبل علماً لذلك،(3)
: اعلم أنه تعالى ذكر من آياته أيضا هذه السفن العظيمة التي تجري على وجه البحر عند هبوب الرياح ، واعلم أن المقصود من ذكره أمران أحدهما : أن يستدل به على وجود القادر الحكيم والثاني : أن يعرف ما فيه من النعم العظيمة للّه تعالى على العباد أما الوجه الأول : فقد اتفقوا على أن المراد بالأعلام الجبال (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التفسير الميسر
(2) تفسير ابي السعود
(3) تفسير روح المعاني
(4) تفسير مفاتح الغيب
اثر التشبيه في تفسير الآية:
هذه السفن العظيمة التي تكون كالجبال تجري على وجه البحر عند هبوب الرياح على أسرع الوجوه ، وعند سكون هذه الرياح تقف ، وأن محرك الرياح ومسكنها هو اللّه تعالى ، إذ لا يقدر أحد على تحريكها من البشر ولا على تسكينها ، وذلك يدل على وجود الإله القادر ، وأيضا أن السفينة تكون في غاية الثقل ، ثم إنها مع ثقلها بقيت على وجه الماء ، وهو أيضا دلالة أخرى وهو معرفة ما فيها من المنافع ، فهو أنه تعالى خص كل جانب من جوانب الأرض بنوع آخر من الأمتعة ، وإذا نقل متاع هذا الجانب إلى ذلك الجانب في السفن وبالعكس حصلت المنافع العظيمة في التجارة ، فلهذه الأسباب ذكر اللّه تعالى حال هذه السفينة.(1)
السُّفُنِ الْجَارِيَةِ فِي الْبَحْرِ، لِمَا فِيهَا مِنْ عَظِيمِ دَلَائِلِ الْقُدْرَةِ، مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْمَاءَ جِسْمٌ لَطِيفٌ شَفَّافٌ يَغُوصُ فِيهِ الثَّقِيلُ، وَالسُّفُنُ تَشْخَصُ بِالْأَجْسَامِ الثَّقِيلَةِ الْكَثِيفَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ جَعَلَ تعالى للماء قُوَّةً يَحْمِلُهَا بِهَا وَيَمْنَعُ مِنَ الْغَوْصِ. ثُمَّ جَعَلَ الرِّيَاحَ سَبَبًا لِسَيْرِهَا. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ تَرْسُوَ، أَسْكَنَ الرِّيحَ، فَلَا تَبْرَحُ عَنْ مكانها. (2)
و يمكن القول بأن هذه الجواري في البحر أيضا علامة هداية ودلالة على فضل الله على عباده وسعة نعمته عليهم فهي مع ضخامتها وثقلها مسخرة لمصلحة العباد ينتقلـون عليهـا وينقلون عليها بضائعهم وتجاراتهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(3) تفسير مفاتح الغيب
(4) تفسير البحر المحيط
15 ـ قوله تعالى ((خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ7)) سورة القمر
وصف التشبيه وتحليله : مرسل مجمل
المشبه: خروج الناس من قبورهم
. المشبه به: الجراد المنتشر
. أداة التشبيه: كأن.
وجه الشبه: الكثرة والانتشار وعدم الاهتداء
تفسير الآية:
وَإِنَّمَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالْخُشُوعِ الْأَبْصَارَ دُونَ سَائِرِ أَجْسَامِهِمْ، وَالْمُرَادُ بِهِ جَمِيعُ أَجْسَامِهِمْ، لِأَنَّ أَثَرَ ذِلَّةِ كُلِّ ذَلِيلٍ، وَعِزَّةِ كُلِّ عَزِيزٍ، تَتَبَيَّنُ فِي نَاظِرَيْهِ دُونَ سَائِرِ جَسَدِهِ، فَلِذَلِكَ خَصَّ الْأَبْصَارَ بِوَصْفِهَا بِالْخُشُوعِ وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: (خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ)و (كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ فِي انْتِشَارِهِمْ وَسَعْيِهِمْ إِلَى مَوْقِفِ الْحِسَابِ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (1) وخشوع الأبصار : كناية عن الذلة والانخزال ، لأن ذلة الذليل وعزة العزيز تظهران في عيونهما و الجراد مثل في الكثرة والتموّج (2)
ذليلة أبصارهم يخرجون من القبور كأنهم في انتشارهم وسرعة سيرهم للحساب جرادٌ منتشر في الآفاق، مسرعين إلى ما دُعُوا إليه، يقول الكافرون: هذا يوم عسر شديد الهول.(3)
يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ مثلهم بالجراد المنتشر في الكثرة والتموج ، ويحتمل أن يقال : المنتشر مطاوع نشره إذا أحياه فكأنهم جراد يتحرك من الأرض ويدب إشارة إلى كيفية خروجهم من الأجداث وضعفهم
(4 )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تفسير الطبري
(2) تفسير الزمخشري
(3)التفسير الميسر
(4 ) تفسير الرازي
أثر التشبيه في تفسير الآية:
خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ أَيْ ذَلِيلَةٌ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرَفٍ خَفِيٍّ لَا تَثْبُتُ أَحْدَاقُهُمْ فِي وُجُوهِ النَّاسِ، وَهِيَ نَظْرَةُ الْخَائِفِ الْمُفْتَضَحِ وَهُوَ كِنَايَةٌ لِأَنَّ ذِلَّةَ الذَّلِيلِ وَعِزَّةَ الْعَزِيزِ تَظْهَرَانِ فِي عُيُونِهِمَا.
و تَشْبِيهُهُمْ بِالْجَرَادِ الْمُنْتَشِرِ فِي الِاكْتِظَاظِ وَاسْتِتَارِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا يُفِيدُهُ التَّشْبِيهُ مِنَ الْكَثْرَةِ وَالتَّحَرُّكِ.(1)
مشهد مع سرعته شاخص متحرك، مكتمل السمات والحركات: هذه جموع خارجة من الأجداث في لحظة واحدة كأنهم جراد منتشر (ومشهد الجراد المعهود يساعد على تصور المنظر المعروض) وهذه الجموع خاشعة أبصارها من الذل والهول (2)
وتشبيههم بالجراد المنتشر في الكثرة والتموج والانتشار في الأقطار، وجاء تشبيههم بالفراش المبثوث ولهم يوم الخروج سهم من الشبه لكل، وقيل: يكونون أولا كالفراش حين يموجون فزعين لا يهتدون أين يتوجهون لأن الفراش لا جهة لها تقصدها، ثم كالجراد المنتشر إذا توجهوا إلى المحشر فهما تشبيهان باعتبار وقتين (3)
يخرجونَ (مّنَ الأجداث) أذلةً أبصارُهم من شدةِ الهولِ(كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ) في الكثرةِ والتموج والتفرق في الأقطارِ(4) تفسير ابي السعود
وشبههم بالجراد المنتشر، وقد شبههم في أخرى بالفراش المبثوث، وفيهم من كل هذا شبه، وذهب بعض المفسرين انهم اولا كالفراش حين يموجون بعضهم في بعض ثم في رتبة أخرى كالجراد إذا توجهوا نحو المحشر والداعي (5)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التحرير والتنوير
(2) في ظلال القران
(3) تفسير الالوسي
(4) تفسير ابي السعود
(5) المحرر الوجيز
16 ـ ((نَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (4) سورة الصف
وصف التشبيه وتحليله : تشبيه مرسل مجمل
المشبه: اصطفاف المقاتلين في سبيل الله
. المشبه به: البنيان المرصوص.
أداة التشبيه: كأن
. وجه الشبه: الثبات، والقوة، والانتظام.
تفسير الآية:
وَالصَّفُّ: عَدَدٌ مِنْ أَشْيَاءَ مُتَجَانِبَةٍ مُنْتَظِمَةِ الْأَمَاكِنَ، فَيُطْلَقُ عَلَى صَفِّ الْمُصَلِّينَ، وَصَفِّ الْمَلَائِكَةِ، وَصَفِّ الْجَيْشِ فِي مَيْدَانِ الْقِتَالِ بِالْجَيْشِ إِذَا حَضَرَ الْقِتَالُ كَانَ صَفًّا مِنْ رَجَّالَةٍ أَوْ فُرْسَانٍ ثُمَّ يَقَعُ تَقَدُّمُ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ فُرَادَى أَوْ زَرَافَاتٍ.
فَالصَّفُّ هُنَا: كِنَايَةٌ عَنْ الِانْتِظَامِ وَالْمُقَاتَلَةِ عَنْ تَدَبُّرِ.
وَأَمَّا حَرَكَاتُ الْقِتَالِ فَتَعْرِضُ بِحَسَبِ مَصَالِحِ الْحَرْبِ فِي اجْتِمَاعٍ وَتَفَرُّقٍ وَكَرٍّ وَفَرٍّ..
وَالْمَرْصُوصُ: الْمُتَلَاصِقُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. وَالتَّشْبِيهُ فِي الثَّبَاتِ وَعَدَمِ الِانْفِلَاتِ (1) وقال المبرد: رصصت البناء لاءمت بين أجزائه وقاربته حتى يصير كقطعة واحدة، ومنه الرصيص وهو انضمام الأسنان، والظاهر أن المراد تشبيههم في التحام بعضهم ببعض بالبنيان المرصوص من حيث إنهم لا فرجه بينهم ولا خلل، وقيل: المراد استواء نياتهم في الثبات حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان (2)
ن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفًا كأنهم بنيان متراص محكم لا ينفذ منه العدو. وفي الآية بيان فضل الجهاد والمجاهدين؛ لمحبة الله سبحانه لعباده المؤمنين إذا صفُّوا مواجهين لأعداء الله، يقاتلونهم في سبيله. (3) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التحرير والتنوير
(2) تفسير الالوسي
(3) التفسير الميسر
أثر التشبيه في تفسير الآية:
الاصطفاف والتراص والتساوي، فكما أن البنيان يكون متساوي الأجزاء، ومرصوصة حجارته بعضها بجانب بعض، فكذلك حال المجاهدين يكونون صفوفا متراصـة بعضهم بجانب بعض، ومتراصين ليس فيهم متقدم ولا متأخر. وهي مناسبة لحال المجاهدين قبل بدأ المعركة ونشوب القتال، وهي الحال المناسبة للمقاتلين في جميع الجيوش.
قال الشيخ السعدي رحمه الله: ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حضر القتـال، صف أصحابه، ورتبهم في مواقفهم، بحيث لا يحصل اتكال بعضهم على بعض، بل تكون كل طائفة منهم مهتمة بمركزها وقائمة بوظيفتها، وبهذه الطريقة تتم الأعمال ويحصل الكمال (1)
قال الزمخشري: وقيل: يجوز أن يريد استواء نياتهم في الثبات حتى يكونوا في اجتمـاع الكلمة كالبنيان المرصوص (2)
و نقل الرازي عن أبي إسحاق: ويجوز أن يكون على أن يستوي شأنهم في حرب عدوهم حتى يكونوا في اجتماع الكلمة، وموالاة بعضهم بعضاً كالبنيان المرصوص(3)
و أداة التشبيه (كأن) تأتي في التشبيه المبالغ فيه لتدل علـى أهميـة المبالغـة والاهتمام من قبل المجاهدين في سبيل الله تعالى بأن تكـون صـفوفهم وقلـوبهم كالبنيـان المرصوص
يستفاد من التشبيه الأمر بالجد والثبات أثناء القتال فكما أن البنيان المرصوص ثابت لا يتحرك، فكذلك يجب على المجاهدين الجد والثبات.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)تفسير السعدي
(2)تفسير الزمخشري
(3)تفسير الرازي
17 ـ قوله تعالى ((مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) سورة الجمعة
وصف التشبيه وتحليله : تشبيه تمثيلي مركب
المشبه حال اليهود الذين حملوا التوراة، وحفظوها في صدورهم، ثم لم يعملوا بما فيها، ولم يفهموا حقيقة مرماها،
المشبه به حال الحمار يحمل كتب العلم النافعة، ويتعب في حملها، وهو جاهل بحقيقة ما فيها،
اداة التشبيه كمثل
وجه الشبه هو الهيئة الحاصلة من حرمان الانتفاع بأبلغ نافع، مع تحمل التعب في استصحابه،
تفسير الآية:
أن الذين حملهم الله التوراة من اليهود ، وأمرهم أن يتعلموها، ويعملوا بما فيها ولكنهم لم يعملوا بها ، وأنهم لا فضيلة لهم، وأن مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل فوق ظهره أسفارًا من كتب العلم، فهل يستفيد ذلك الحمار من تلك الكتب التي فوق ظهره؟ وهل يلحق به فضيلة بسبب ذلك؟ أم حظه منها حملها فقط؟ فهذا مثل علماء اليهود الذين لم يعملوا بما في التوراة، فهذا المثل مطابق لأحوالهم.(1)
شَبَهُ اليهود الذين كُلِّفوا العمل بالتوراة ثم لم يعملوا بها، كشَبه الحمار الذي يحمل كتبًا لا يدري ما فيها، قَبُحَ مَثَلُ القوم الذين كذَّبوا بآيات الله، ولم ينتفعوا بها، والله لا يوفِّق القوم الظالمين الذين يتجاوزون حدوده، ويخرجون عن طاعته (2)
شبه اليهود - في أنهم حفظوا التوراة ، ثم إنهم غير عاملين بها ولا منتفعين بآياتها ، - بالحمار حمل أسفاراً ، أي كتباً من كتب العلم ، فهو يمشي بها ولا يدري منها إلا ما يمر بجنبيه وظهره من الكد والتعب . وكل من علم ولم يعمل بعلمه فهذا مثله (3)
(1) تفسير السعدي
(2) التفسير الميسر (3) تفسير الزمخشري
أثر التشبيه في تفسير الآية:
اليهود يَحْمِلُون التَّوْرَاةَ دُونَ فَهْمٍ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّ ادِّخَارَ أَسْفَارِ التَّوْرَاةِ وَانْتِقَالَهَا مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ كَافٍ ولم يعملوا بما فيها وَقَدْ ضَرَبَ اللَّهُ لِهَؤُلَاءِ مَثَلًا بِحَالِ حِمَارٍ يَحْمِلُ أَسْفَارًا لَا حَظَّ لَهُ مِنْهَا إِلَّا الْحَمْلُ دُونَ عِلْمٍ وَلَا فَهْمٍ. وَهَذَا التَّمْثِيلُ مَقْصُودٌ مِنْهُ تَشْنِيعَ حَالِهِمْ وَهُوَ مِنْ تَشْبِيهِ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ الْمُتَعَارَفِ، وَلِذَلِكَ ذُيِّلَ بِذَمِّ حَالِهِمْ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ.(1) حال الَّذِينَ أُوتُوا التَّوْرَاةَ الَّتِي فِيهَا و لَمْ يَنْتَفِعُوا بِمَا فِيهَا، كَمَثَلِ الْحِمَارِ الَّذِي يَحْمِلُ أَسْفَارًا فِيهَا عِلْمٌ، فَهُوَ لَا يَعْقِلُهَا وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا. (2) ما الحكمة في تعيين الحمار من بين سائر الحيوانات؟ أن هذا التمثل لإظهار الجهل والبلادة ، وذلك في الحمار أظهر ، ومنها : أن في الحمار من الذل والحقارة مالا يكون في الغير ، والغرض من الكلام في هذا المقام تعيير القوم بذلك وتحقيرهم ، فيكون تعيين الحمار أليق وأولى ، ومنها أن حمل الأسفار على الحمار أتم وأعم وأسهل وأسلم ، لكونه ذلولا ، سلس القياد ، لين الانقياد ، يتصرف فيه الصبي الغبي من غير كلفة ومشقة. وهذا من جملة ما يوجب حسن الذكر بالنسبة إلى غيره ومنها : أن رعاية الألفاظ والمناسبة بينها من اللوازم في الكلام ، وبين لفظي الأسفار والحمار مناسبة لفظية لا توجد في الغير من الحيوانات فيكون ذكره أولى.(3)
" مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُواْ التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحِمَار يَحْمِلُ أسْفَارَاً " الشبهُ منتزع من أحوال الحمار، وهو أنه يحمل الأسفار التي هي أوعية العلوم ومستودَعُ ثَمَر العقول، ثم لا يُحسّ بما فيها ولا يشعر بمضمونها، ولا يفرِّق بينها وبين سائر الأحمال التي ليست من العلم في شيء، ولا من الدَّلالة عليه بسبيل، فليس له مما يحمل حظٌّ سوى أنه يثقُلُ عليه، ويكُدُّ الشَّبه لا يتعلق بالحمل حتى يكون من الحمار، ثم لا يتعلق أيضاً بحَمْلِ الحمار حتى يكون المحمول الأسفار، ثم لا يتعلق بهذا كله حتى يقترن به جَهْل (4)
ــــــــ
.(1) التحرير والتنوير
(2) تفسير الطبري
(3) تفسير الرازي
(4) (اسرار البلاغة عبدالقاهر الجرجاني
18و19 ـ قوله تعالى ((يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5)سورة القارعة
وصف التشبيه وتحليله :
التشبيه الأول : مرسل مجمل
المشبه: الناس في ذلك اليوم. المشبه به: الفراش المبثوث
. أداة التشبيه: الكاف
. وجه الشبه: متعدد: التفرق، والانتشار، والطـيش ، والكثـرة ، والضـعف ، والـذل والهوان،
التشبيه الثاني :
التشبيه مرسل مجمل
المشبه: الجبال المشبه به: العهن المنفوش
. أداة التشبيه: الكاف.
وجه الشبه: التلون والخفة والضعف وتفرق الأجزاء.
تفسير الآيتين :
في ذلك اليوم يكون الناس في كثرتهم وتفرقهم وحركتهم كالفراش المنتشر، وهو الذي يتساقط في النار.
وتكون الجبال كالصوف متعدد الألوان الذي يُنْفَش باليد، فيصير هباء ويزول.(1) «الفراش» : طير دقيق يتساقط في النار ويقصدها، ولا يزال يقتحم على المصباح ونحوه حتى يحترق، ، وقال الفراء:
«الفراش» في الآية: غوغاء الجراد وهو صغيره الذي ينتشر في الأرض والهواء، الْمَبْثُوثِ هنا معناه: المتفرق، جمعه وجملته موجودة متصلة، وقال بعض العلماء: الناس أول قيامهم من القبور كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ، لأنهم يجيئون ويذهبون على غير نظام، يدعوهم الداعي فيتوجهون إلى ناحية المحشر فهم حينئذ كالجراد المنتشر، لأن الجراد إنما توجهه إلى ناحية مقصودة، واختلف اللغويون في: «العهن» ، فقال أكثرهم: هو الصوف عاما، وقال آخرون: وهو الصوف الأحمر، وقال آخرون: هو الصوف الملون ألوانا(2)
.(1) التفسير الميسر (2)المحرر الوجيز لابن عطية
واعلم أنه تعالى وصف ذلك اليوم بأمرين الأول : كون الناس فيه كالفراش المبثوث قال الزجاج : الفراش هو الحيوان الذي يتهافت في النار ، وسمي فراشا لتفرشه وانتشاره ، ثم إنه / تعالى شبه الخلق وقت البعث هاهنا بالفراش المبثوث ، وفي آية أخرى بالجراد المنتشر. أما وجه التشبيه بالفراش ، فلأن الفراش إذا ثار لم يتجه لجهة واحدة ، بل كل واحدة منها تذهب إلى غير جهة الأخرى ، يدل هذا على أنهم إذا بعثوا فزعوا ، واختلفوا في المقاصد على جهات مختلفة غير معلومة ، والمبثوث المفرق ، يقال : بثه إذا فرقه. وأما وجه التشبيه بالجراد فهو في الكثرة. قال الفراء : كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضا ، وبالجملة فاللّه سبحانه وتعالى شبه الناس في وقت البعث بالجراد المنتشر ، وبالفراش المبثوث ، لأنهم لما بعثوا يموج بعضهم في بعض كالجراد والفراش
النسبة إلى الفراش كبار ، فكيف شبه الشيء الواحد بالصغير والكبير معا؟ قلنا : شبه الواحد بالصغير والكبير لكن في وصفين. أما التشبيه بالفراش فبذهاب كل واحدة إلى غير جهة الأخرى وأما بالجراد فبالكثرة والتتابع ، ويحتمل أن يقال : إنها تكون كبارا أولا كالجراد ، ثم تصير صغارا كالفراش بسبب احتراقهم بحر الشمس من صفات ذلك اليوم قوله تعالى : وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ العهن الصوف ذو الألوان ، والنفش فك الصوف حتى ينتفش بعضه عن بعض ،واعلم أن اللّه تعالى أخبر أن الجبال مختلفة الألوان على ما قال : وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ [فاطر : 27] ثم إنه سبحانه يفرق أجزاءها ويزيل التأليف والتركيب عنها فيصير ذلك مشابها للصوف الملون بالألوان المختلفة إذا جعل منفوشا ، وهاهنا إنما ضم بين حال الناس وبين حال الجبال ، كأنه تعالى نبه على أن تأثير تلك القرعة في الجبال هو أنها صارت كالعهن المنفوش ، فكيف يكون حال الإنسان عند سماعها! فالويل ثم الويل لا بن آدم إن لم تتداركه رحمة ربه ، ويحتمل أن يكون المراد أن جبال النار تصير كالعهن المنفوش لشدة حمرتها. قد وصف اللّه تعالى تغير الأحوال على الجبال من وجوه أولها : أن تصير قطعا ، كما قال :
وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً «1» [الحاقة : 14] ، وثانيها : أن تصير كثيبا مهيلا ، كما قال :
وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ [النمل : 88] ثم تصير كالعهن المنفوش ، وهي أجزاء كالذر تدخل من كوة البيت لا تمسها الأيدي ، ثم قال : في الرابع تصير سرابا ، كما قال وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً [النبأ : 20].
لم يقل : يوم يكون الناس كالفراش المبثوث والجبال كالعهن المنفوش بل قال : وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ لأن التكرير في مثل هذا المقام أبلغ في التحذير.(1)
أثر التشبيه في تفسير الآيتين:
وَوَجْهُ الشَّبَهِ كَثْرَةُ الِاكْتِظَاظِ عَلَى أَرْضِ الْمَحْشَرِ.في قوله يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ ووجه الشَّبَهِ تَفَرُّقُ الْأَجْزَاءِ في قوله وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ لِأَنَّ الْجِبَالَ تَنْدَكُّ بِالزَّلَازِلِ وَنَحْوِهَا فَتَتَفَرَّقُ أَجْزَاءً.
وَإِعَادَةُ كَلِمَةِ تَكُونُ مَعَ حَرْفِ الْعَطْفِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى اخْتِلَافِ الْكَوْنَيْنِ فَإِنَّ أَوَّلَهُمَا كَوْنُ إِيجَادٍ، وَالثَّانِيَ كَوْنُ اضْمِحْلَالٍ، وَكِلَاهُمَا عَلَامَةٌ عَلَى زَوَالِ عَالَمٍ وَظُهُورِ عَالَمٍ آخَرَ.(2)
شبههم بالفراش في الكثرة والانتشار والضعف والذلة ، والتطاير إلى الداعي من كل جانب ، كما يتطاير الفراش إلى النار . . وسمى فراشا : لتفرّشه وانتشاره . وشبه الجبال بالعهن وهو الصوف المصبغ ألواناً؛ لأنها ألوان ، وبالمنفوش منه؛ لتفرّق أجزائها .(3)
يومٌ يكونُ الناسُ فيهِ كالفراشِ المبثوثِ في الكثرةِ والانتشارِ والضعفِ والذلةِ والاضطرابِ والتطايرِ إلى الداعِي كتطايرِ الفَراشِ إلى النارِ و الجبال كالصوفِ الملونِ بالألوانِ المختلفةِ المندوفِ في تفرقِ أجزائِها وتطايرِها في الجوِّ(4)
واختيار الصوف وتقييده بالمنفوش للتشبيه به يدل على خفة الجبال يومئـذ وتخلخلـها وتفرق أجزائها، وهو تقريب للصورة لما هو معهود في الأذهان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)تفسير الرازي
(2) التحرير والتنوير
(3) تفسير الزمخشري
(4) تفسير ابي السعود
20 ـ قوله تعالى ((فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5) سورة الفيل
وصف التشبيه وتحليله:
تشبيه مرسل مجمل
المشبه: أصحاب الفيل بعد وقوع العذاب عليهم
. المشبه به: العصف المأكول
. أداة التشبيه: الكاف
. وجه الشبه: الهلاك والتفرق.
تفسير الآية :
جَعَلَ اللَّهُ أَصْحَابَ الْفِيلِ كَزَرْعٍ أَكَلَتْهُ الدَّوَابُّ ُ، فَيَبِسَ وَتَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهُ؛ شَبَّهُ تَقَطُّعَ أَوْصَالِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ الَّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ، وَتَفَرُّقَ آرَابِ أَبْدَانِهِمْ بِهَا، بِتَفَرُّقِ أَجْزَاءِ الرَّوْثِ، الَّذِي حَدَثَ عَنْ أَكْلِ الزَّرْعِ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: الْعَصْفُ: هُوَ الْقِشْرُ الْخَارِجُ الَّذِي يَكُونُ عَلَى حَبِّ الْحِنْطَةِ مِنْ خَارِجٍ، كَهَيْئَةِ الْغُلَافِ لَهَا.(1) فجعلهم به محطمين كأوراق الزرع اليابسة التي أكلتها البهائم ثم رمت بها (2)
فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ كورق زرع وقع فيه الأكال وهو أن يأكله الدود أو أكل حبه فبقى صفرا منه والتشبيه بذلك لذهاب أرواحهم وبقاء أجسادهم، أو لأن الحجر بحرارته يحرق أجوافهم. وذهب غير واحد إلى أن المعنى كتبن أكلته الدواب وراثته والمراد كروث إلا أنه لم يذكر بهذا اللفظ لهجنته فجاء على الآداب القرآنية فشبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث، ففيه إظهار تشويه حالهم وقيل:
المعنى كتبن تأكله الدواب وتروثه والمراد جعلهم في حكم التبن الذي لا يمنع عنه الدواب أي مبتذلين ضائعين لا يلتفت إليهم أحد ولا يجمعهم ولا يدفنهم كتبن في الصحراء تفعل به الدواب ما شاءت لعدم حافظ له إلّا أنه وضع مأكول موضع أكلته الدواب لحكاية الماضي في صورة الحال وهو كما ترى. وكأنه لما أن مجيئهم لهدم الكعبة ناسب إهلاكهم بالحجارة (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
.(1) تفسير الطبري
(2) التفسير الميسر
(3) تفسير الالوسي
أثر التشبيه في تفسير الآية:
وَالْعَصْفُ: وَرَقُ الزَّرْعِ وَهُوَ جَمْعُ عَصْفَةٍ. وَالْعَصْفُ إِذَا دَخَلَتْهُ الْبَهَائِمُ فَأَكَلَتْهُ دَاسَتْهُ بِأَرْجُلِهَا وَأَكَلَتْ أَطْرَافَهُ وَطَرَحَتْهُ عَلَى الْأَرْضِ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَخْضَرَ يَانِعًا. وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِحَالِ أَصْحَابِ الْفِيلِ بَعْدَ تِلْكَ النَّضْرَةِ وَالْقُوَّةِ كَيْفَ صَارُوا مُتَسَاقِطِينَ عَلَى الْأَرْضِ هَالِكِينَ.(1)
(فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولِ) كورقِ زرع فيهِ الأكالُ وهُوَ أنْ يأكلُه الدودُ أوْ أكلَ حبُّه فبقَي صِفراً منْهُ أوْ كتبنٍ أكلتْهُ الدوابُّ وَرَاثتْهُ (2)
في هذه السورة، ويضربها مثلا لرعاية الله لحرماته وغيرته عليها فإن الجدري أو الحصبة لا يسقط الجسم عضوا عضوا وأنملة أنملة، ولا يشق الصدر عن القلب..
وهذه الصورة هي التي يوحي بها النص القرآني: «فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ» إصابة الجيش على هذا النحو وعدم إصابة العرب القريبين بمثله في حينه تبدو خارقة إذا كانت الطير تقصد الجيش وحده بما تحمل.
ما أراده الله من إهلاك الجيش وقائده، فأرسل عليهم جماعات من الطير تحصبهم بحجارة من طين وحجر، فتركتهم كأوراق الشجر الجافة الممزقة.(3) أي فجعلهم كورق الشجر الذي عصفت به الريح، وأكلته الدواب ثم راثته، فأهلكهم عن بكْرة أبيهم، (4)
( فجعلهم كعصف مأكول ) كزرع وتين أكلته الدواب فراثته فيبس وتفرقت أجزاؤه شبه تقطع أوصالهم بتفرق أجزاء الروث قال مجاهد العصف ورق الحنطة وقال قتادة هو التبن وقال عكرمة كالحب إذا أكل فصار أجوف وقال ابن عباس هو القشر الخارج الذي يكون على حب الحنطة كهيئة الغلاف له(5)
و قوله تعالى:فجعلهم مشعرة بسرعة وقوع العذاب عليهم، وإحاطته بهم ، وعـدم قدرتهم على الفرار منه، وسرعة إهلاكهم والعصف بعد خلوه من الحب لا فائدة منه ولا خير فيه كذلك أصحاب الفيل بعد هلاكهم أصبحوا لا نفع فيهم ولا خير فيهم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التحرير والتنوير
(2) تفسير ابي السعود
(4) تفسير ابى السعود
(5) تفسير البغوي
خاتمة
و في ختام البحث أسأل الله تعالى أن يتقبله عنده، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم، كما أسأله سبحانه أن يرزقنا الفهم لكتابه، وأن يفتح علينا فيه بالعلم والعمل. لقد كان العيش مع كتاب الله تعالى نعمة عظيمة، خاصة وأن التدبر لـه والتأمل لمعانيه مما يستخرج به المتأمل كنوزه وأسراره،
ومهما أوتي الإنسان من فهم ثاقب، وبلاغة فائقة فإن كتاب الله تعالى يبقى مليئا لا ينفد عطاؤه لمن أقبل عليه
و تشبيهات القـرآن الكريم مليئة بالأسرار والمكنونات التي لم نستخرجها بعد، وكلمـا زاد التأمل هذه التشبيهات، والغوص في معانيها، ومقارنتها بالتشبيهات المماثلة لها، كلما ظهرت معان أخرى لم تخطر على بال المتأمل من قبل. إن تشبيهات القرآن تستمد عناصرها من الطبيعة المحيطة بالإنسان، الـتي يستطع أن يدركها بكل سهولة ويسر، ولذلك فهي أكثر تأثيرا، وأبقى أثـرا ، وأشد سهولة، وأقرب للإنسان، وفي معانيها الخير والهداية للإنسان، فتدفعه للفضائل، وتدله على المكارم، تجعل في نفسه أنفة من مقاربة الرذائل، ومقارفة الآثام
وفقنا الله عز وجل لطلب العلم وان يكون هذا العمل خالصا لوجهه الكريم
النتائج
1 ـ من نتائج هذا البحث دراسة التشبيهات القرآنية لأهميتها البالغة في بيان تفسير القران واظهار الاعجاز البياني
2 ـ أسلوب التشبيه يزيد من اقناع المستمع والقارئ وخصوصا آيات القران الكريم فالتشبه القرآني حقق الهدف في الوصول الى عقل المتلقي وقلبه لإقناعه بالأمر المطوب والحقيقة المراد اثباتها
3 ـ الصورة البيانية اسهمت في ابراز المعاني وتألقها في مشاهد متنوعة
4 ـ الحث على الاقتداء والتأسي بالمشبه به في الامر الصالح او التحذير من التقليد في الامر الطالح
5 ـ جهل الانسان وضعفه وقلة خيلته وعجزه البين أمام كنوز القران القرآن الكريم الثمينة ومعانيه المتينة وألفاظه الرصينة
التوصيات
1 ـ واوصي طلبة العلم والمتخصصين بالدراسات القرآنية. باستخراج مكنونات المعاني من خلال تشبيهات القران الكريم
2 ـ كما اوصي طلبة العلم بتخصيص التشبيهات الضمنية في القران الكريم بموضوع للبحث العلمي
3 ـ ضرورة العناية بأنواع التشبيهات من خلال القرآن الكريم لبيان اثر التشبيه في فهم الآيات و زيادة تسليط الضوء على التشبيهات من خلال كتاب الله العزيز
4ـ إيجاد دراسة استقرائية لعموم التشبيهات في القرآن الكريم
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن يجعلنا وإياكم على الصراط المستقيم، إنه بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد؛ وعلى آله وصحبه أجمعين
المصادر والمراجع
1ـــ المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، للإمام عبد الحق بن غالب بن عطية،
2 ــتيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي،
3 ـ روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، لأبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الألوسي،
4 ـ مفاتيح الغيب، لأبي عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي الملقب بفخر الدين الرازي،
5 ـ مفتاح العلوم، لأبي يعقوب يوسف بن محمد بن علي السكاكي، حققه وقدم له عبد الحميد هنداوي
6ـ الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لمحمود بن عمر الزمخشري.
7 ـ الإيضاح في علوم البلاغة، لجلال الدين محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد القزويني المعروف بالخطيب القزويني،
8 ـ أسرار البلاغة، لأبي بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني النحوي، قرأه وعلق عليه: أبو فهر محمود محمد شاكر،
9 ـ أنوار التنزيل وأسرار التأويل لناصرالدين أبـو الخـير عبـد الله بـن عمـر بـن محمـد البيضاوي بحاشية شهاب الخفاجي
10 ــ البلاغة الواضحة علي الجارم ومصطفى أمين: القاهرة دار المعارف
11 ـ لتحريـر والتنـوير للطـاهر بـن عاشـور: محمـد الطـاهر بـن عاشـور, تـونس, دار سحنون للنشر والتوزيع
12 ـ جامع البيان في تأويل آي القرآن للإمام الطبري: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بـن غالـب أبـو جعفـر الطـبري
13 ـ البيان والتبيين للجاحظ
14 ـ معالم التنزيل تفسير البغوي
15 ـ المنهاج الواضح في البلاغة
16 ـ اسرار البلاغة للإمام عبد القاهر الجرجاني
17 ـ مفتاح العلوم للسكاكي
18 ـ جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع احمد الهاشمي
19 ـ الايضاح في علوم البلاغة للقزويني
20 ـ البلاغة الصافية حسن اسماعيل عبدالرازق